د. جاسر الحربش
ما هو التصرف الصحيح مع الطعام الضار المسمى جنك؟. بالطبع ليس أكله وإنما عدم عرضه للاستهلاك الآدمي في السوق. ما هو التصرف الصحيح مع الهذر الصبياني عندما تسمى كتباً لتعرض مع الإنتاج العقلي؟. هي لا تصلح لمكتبة الطفل ولا لمكتبة الكبار، فكيف تصلح لمعرض عالمي للكتاب؟. بالتأكيد ليست المشكلة في عمر الكاتب المؤلف، وإنما في المحتوى الذي لا يصلح لا للأطفال ولا للكبار لكونه مجموعة خواطر وسواليف صبيان لا أكثر ولا أقل.
التقصير والتساهل في فرض الرقابة الصحية الفعالة على تجارة الغذاء أنتج لنا أجيالاً من الأطفال والمراهقين يتساوى فيه الذكر والأنثى في حجم الأثداء والأوراك، وأنتج طوابير من الكبار يتساوى فيها الذكور والإناث في بشاعة التوزيع للشحوم والزوائد الرخوية والمتطرطرات. عندما يتساهل المسؤول عن صحة البيئة الغذائية مع تجارة القراميش والكاكاوات والمعجنات والغازيات والوجبات السريعة يصبح الأكل الزبالة (الجنك كما تسميه الحضارة التي اخترعته وسمته كذلك) من أكبر المغريات للإمتلاء والاسترخاء والتنازل عن المجهود في تحضير الغذاء السليم. في نهاية السهرة السعودية الليلية تصبح البيتزا ديليفري وكيس البطاطس المملح وعلبة المشروب الغازي هي الوداع الأخير قبل النوم أمام المسلسل التركي أو السوري في التلفزيون، أي الوداع للصحة واللياقة ولرائحة العرق المقبولة.
كذلك التقصير أو التساهل في الرقابة النوعية على البضاعة الفكرية أنتج لنا مكتبات ومعارض كتاب ونقاشات وبرامج فضائية مسمومة وتافهة سيطرت لعشرات السنين على العقول والأفكار. معارض الكتاب السنوية حتى قبل عامين كانت تتجاور فيها أكشاك بضاعتها كتب السحر والجن والرقى والفتاوى المتناقضة في المهم وعديم الأهمية والمضحك والمبكي. فيما مضى تأزمت الأمور في معارض الكتب لدرجة فرض الرقابة من محتسبين جوالين يقفون أمام أكشاك الإصدارات العلمية والفلسفية والفكرية ناصحين ومحذرين من تلاعبها بالعقول ومن خطرها على الإيمان والهوية والتراث. هذا العام يبدو في معرض الكتاب في الرياض أن الفرق الجوالة المحتسبة تتوارى لتظهر في أكشاك الكتب بضاعة جديدة ينطبق عليها مصطلح سواليف الصبيان وتشوشات المراهقين المخلوطة بجنون الشهرة.
عندما نسمي البضاعة الغذائية التي أنتجت لنا الترهل الجسدي زبالة أو جنك غذائي يجب أن نعتبر ما يتسلل الآن إلى معرض الكتاب من خواطر المراهقين وشطحات الصغار من زبائل الكلام أو الجنك الذي سوف يتسلل إلى العقول الصغيرة فيصيبها بالترهل والتليص أو التطين اللغوي والعقلي، وأصلا عندنا من هذه الظاهرة أكثر من الكفاية.
الأساس في هذا التلويث اللغوي والفكري المقبل علينا بدأ فيما يسمى وسائط التواصل الاجتماعي ولم يعد هناك فرق كبير بين وجبة البيتزا والهمبرجر في السطوة الغذائية وبين سواليف المراهقين في السطوة على مستقبل اللغة العربية ونتاجها الفكري والثقافي.
قد تتحجج السلطات الرقابية المسؤولة عن الجودة النوعية في معرض الكتاب بحرية التعبير وإتاحة الفرص للشباب لكي يثبت وجود وينضج مع التجربة، ولكن هذا هو نفس التساهل الذي حدث مع الزبالات الغذائية وما ترتب عليها من أمراض جسدية واجتماعية. مرة أخرى، ضعوا ما يصلح للأطفال في مكتبة الأطفال وما يصلح للكبار في الرفوف الاعتبارية لها، وضعوا ما عدى ذلك في سلة المهملات.