د.عبدالله بن موسى الطاير
شي جين بينغ هو الرئيس السابع لجمهورية الصين الشعبية، لا يبدو أنه سيترك منصبه بعد نهاية فترته الثانية عام 2023م، وإنما سيبقى من أجل تحقيق الحلم الصيني. ذلك ما أوحى به تغيير صادق عليه البرلمان الصيني في الرابع من هذا الشهر. التبرير منطقي وهو أن يبقى رجل الصين القوي ممسكًا بعجلة قيادة الصين يوجهها نحو تحقيق حلمها. هذا التعديل الدستوري يقدم الاستقرار في تحقيق رؤية الصين الاقتصادية والسياسية على تداول السلطة.
فهل أوصدت الصين في وجه الديمقراطية الغربية القائمة على تداول السلطة أبوابها؟ وهل هذا مؤشر على تشكل قناعة لدى الصين -المترددة في قبول الديمقراطية بشكل الغربي- بأن الديمقراطية تعبر مرحلة حرجة في حياتها، ولم تعد نموذجا للحكم خالبا لألباب الشعوب؟
بالتأكيد لن أتوقع بأن الصين اتعظت مما جرى في ليبيا واليمن والعراق وأفغانستان وسوريا؛ تلك الدول التي كانت مستقرة يأتيها رزقها من الصين وغيرها، ثم سقطت في وحل الأزمات والاقتتال الأهلي ووصلت إلى مستوى الدول الفاشلة بسبب محاولة أمريكا استنبات الديمقراطية على حساب استقرار تلك الدول وأمنها. ولكن أتوقع والله أعلم بأن الصين تراقب بحذر ما يجري في الولايات المتحدة الأمريكية حيث هناك رئيس يضع الولايات المتحدة الأمريكية أولا، وهو غير مشغول بالتبشير بالديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم، وتراقب الصين أيضا ما حدث في ألمانيا من عودة النازيين إلى البرلمان، وهو ما يعني نجاح الحركات الشعبوية الأوربية في دخول البرلمانات وربما سرايا الحكومات قريبا، كما أنها تراقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي بتصويت شعبي، وتتوقع أن يؤثر ذلك على الاتحاد الأوربي سياسيا بعد أن أصبح الأثر الاقتصادي حقيقية واقعة.
إذا وضعنا خريطة النظم السياسية العالمية على طاولة التشريح، فإنه من اليسير مشاهدة الحالة الصينية تتكرر في روسيا. فالرئيس بوتين تولى رئاسة روسيا فترتين من 2000-2008م، واصطدم بعدها بجدار الدستور ليتولى رئاسة الوزراء في ترتيب مع ميدفيدف لمدة 4 سنوات من 2008 إلى 2012 ليعود بعدها للرئاسة عام 2012م وقد يستمر لفترة ثانية إلى عام 2024م. يقول رئيس الدوما الروسي «بدون بوتين ليست هناك روسيا»، وهو ما يمهد لبقاء الرئيس بوتين فترة غير معلومة بعد عام 2024 فيما لو فاز في انتخابات مايو القادم وهو المتوقع.
الرئيس رجب طيب أردوغان لديه مشروع في تركيا، ويتوقع الكثير من المراقبين أن تركيا ارتبطت باسمه وأنه قد يبقى في السلطة طويلا لاستكمال مشروعه، سيما بعد الجفاء الذي يخيم على العلاقات التركية الأوربية وتعذر مواصلة الحوار حول انضمام تركيا للاتحاد الأوربي.
ولأننا في زمن عجيب وغريب فإن هناك قياسًا مع الفارق على الحالة الصينية والروسية والتركية؛ فالرئيس دونالد ترامب لديه مشروع يتمثل في وضع أمريكا أولا، وله مؤيدون أشداء ومتهورون ولن يتنازلوا لا عنه ولا عن مشروعه بسلام، ولذلك فإن بقاء الرئيس ترامب لفترتين رئاسيتين قد يفتح باب التكهنات على مصراعيه حول بقائه فترات استثنائية لتمكينه من تحقيق الحلم الأمريكي.
تلك السناريوهات لم تكن مطروحة قبل بضع سنوات، ولكننا اليوم يمكن أن نتصور حدوثها، وهو ما يعني أن التجربة الديمقراطية تمر بتوعك قد تبرأ منه ولكنها قد تحتاج بعض العمليات الترميمية التي قد تخرج منها سالمة أو محمولة على النعش.
الدول التي لديها مشاريع طموحة وطويلة المدى أصبحت تعلي من شأن الاستقرار على حساب تداول السلطة سواء أكان ذلك التداول سلميًا كما في الدول الديمقراطية أو عنيفًا كما في الدول غير الديمقراطية. الاستقرار أصبح رقمًا صعبًا ومقدمًا على بقية العوامل الأخرى التي قد تمسه بسوء. التحول الذي يشهده العالم جوهري وسوف يمس تجارب في الحكم بالمراجعة والاستدراك وربما بإحالتها على الأرشيف.