د. محمد بن يحيى الفال
لو افترضنا بأن استفتاء تم إجراؤه في دول الخليج العربية قبل ما يقارب اثني عشر عاماً، في الفترة التي كانت فيها إيران وملفها النووي يقعان تحت ضغط كبير من قبل الدول الغربية وطالت جولاته، لوجدنا بأن نتيجة الاستفتاء صبت في تأييد حقوق إيران في الحصول على التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية، وهو الأمر الذي أكده علناً ومراراً وتكراراً وزير الخارجية الراحل الأمير سعود الفيصل- رحمه الله-. بيد أن هذا التأييد انقلب رأساً على عقب وتحديداً مع أواخر العام 2008، حيث بدا للجميع ولحسن الحظ وقبل فوات الأوان بالتنبه بأن المنطقة تم التغرير بها وبأن البرنامج النووي الإيراني لم يكن سلمياً، بل كان هدفه هو تطوير ترسانة نووية بيد ملالي إيران لتهديد ليس فقط أمن وسلامة المنطقة بل والعالم بأسره. وبعد أن اتضح المستور من خفايا برنامج إيران النووي، وعوضاً أن يجابه بحزم تم التوقيع على الاتفاق النووي بين إيران ودول الخمسة زائد واحد وبمباركة من الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، ولعل الانتصار الذي حققه نظام الملالي من الاتفاق النووي يكمن في رفع كافة العقوبات الاقتصادية والتي لم تكن فاعلة أو مؤثرة بادئ القول، والتي فرضت على نظام الملالي مقابل تجميد إيران لتخصيب اليورانيوم القادر على إنتاج قنبلة نووية وذلك لمدة عشر سنوات، هي عمر الاتفاق المعقود بينها وبين دول خمسة زائد واحد والتي تشمل إضافة للولايات المتحدة كلا من بريطانيا، فرنسا، روسيا، الصين وألمانيا، وهو الاتفاق الذي وصفه الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب بأنه أسوأ اتفاق في التاريخ. ولعل أسوأ ما في الاتفاق النووي كونه لم يضع في الاعتبار مصالح دول المنطقة بعد نهاية مدة الاتفاق المحددة بعشر سنوات، وشعرت بخيبة أمل وفقدان ثقة تام بنظام الملالي والذي أثبتت الأحداث والتطورات في المنطقة بأننا أمام نظام توسعي وعنصري ومتعصب، ولا يمكن الثقة به مطلقاً رغم أن قادته ومسؤوليه لم يكونوا يسمعون من قادة دول ومسئولي المنطقة سوى عبارات التأكيد الصادقة على أهمية تطوير العلاقات بين دول المنطقة وإيران لما فيه مصلحة المنطقة وشعوبها. ولكن يبدو أن الغرور والكبرياء الأعميين هما ديدن ملالي إيران حيث فهما خطأ رسائل التودد من دول المنطقة، ورأينا ذلك الفهم الخاطئ بتدخلات سافرة لنظام الملالي في الشأن العربي من المحيط إلي الخليج، ولعل تصريح سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وضالنقاط على الحروف بخصوص هذا الشأن، حين قال إن المملكة لن تلدغ من إيران مرتين، في رسالة واضحة كل الوضوح بأن عهد النيات الصادقة قد ولى إلى غير رجعة، إلا أن تثبت إيران عكس ذلك وبخطوات عملية تؤكد بأنها تخلت عن سياساتها العدوانية الشوفينية الحاقدة على العرب.
العلاقة مع إيران تضعنا أمام ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل العلاقة معها، أول هذه السيناريوهات هو بقاء الوضع الحالي في علاقتها مع غالبية محيطها الإقليمي العربي ((Status Quo، وهو وضع في غاية التأزيم نرى نتائجه في تدخلها الإجرامي السافر والمباشر في كل من اليمن وسوريا، وهو الأمر الذي نتج عنه وقوع الآلاف من الضحايا قتلى وجرحي وتدمير مروع وتشريد لم يسبق له مثيل في هذين البلدين العربيين. ثاني السيناريوهات هو أن تمضي إيران قدماً في تأزيم علافتها ليس فقط مع دول الإقليم العربية بل أيضا تتمدد في الدول العربية الأخرى في مغرب ومشرق العالم العربي، وذلك تحت وطأة حكم نظام الملالي المهووس بتصدير الثورة والتي جاءت كإحدى ركائز الدستور الإيراني، ولعل هذا السيناريو هو السيناريو الأكثر احتمالاً وخصوصاً بأننا نراقب قيام نظام الملالي بتعزيز تواجده في العديد من دول العالم العربي وذلك بظاهر ثقافي باطنه سياسي مؤدلج حتى النخاع بقناعات نشر التشيع وتصدير الثورة، ونراه من خلال تعيين متخصصين في الشئون والثقافة العربية للعمل كملاحق ثقافيين في عدد من الدول العربية المؤثرة كما هو الحال مع أمير الموسوي الذي تم تعيينه كملحق ثقافي لإيران في الجمهورية الجزائرية الشقيقة. السيناريو الثالث والذي يعد أشبه بالمستحيل مع معرفة طبيعية نظام الملالي الاستبدادية والتوسعية، هو أن يعود النظام الإيراني عن غيه ويدرك بأن كل جرائمه بحق دول وشعوب الجوار سوف ترتد عليه مهما طال الزمن، ولم تكن الانتفاضات التي شهدتها إيران سوى دليل جلي على ذلك والتي كانت آخرها الانتفاضة التي قامت بها الشعوب الإيرانية وطالبت بالكف من تدخل الملالي في شئون المنطقة وبأن تصرف ثروات إيران على شعوبها التي تعيش الفقر والمرض والتهميش. ومن خلال هذا السيناريو بمقدور نظام الملالي أن يرسل رسائل واضحة لإعادة الثقة التي أصيبت في مقتل بينه وبين دول المنطقة، رسائل مثل موافقته القبول بالتحكيم الدولي بخصوص الجُزر الثلاث المتنازع عليها مع دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، حذف ديباجة تصدير الثورة من دستوره والانسحاب كلياً من سوريا ووقف تدخله في اليمن بالكف عن مساندة عصابة الحوثي الإجرامية.
على كل حال فحتى يتسنى لنا تشكيل صورة أوضح لمستقبل العلاقة مع إيران بمحيطها العربي فلابد لنا أن نربطه بماهية موقف الغرب تجاه إيران، وهو الموقف الذي تتحرك من خلاله السياسة الإيرانية وتتمحور، ويمكن أن نراه من خلال ثلاثة مستويات رئيسة وهي، أن يكون الغرب متواطئا مع إيران بأجندة خفية ويتركها تتحرك من خلالها لتصب نتائجها في كل من مصالحه ومصالح إيران، المستوى الآخر هو بأن الغرب لا يقدر مدى خطورة التدخلات الإيرانية لزعزعة أمن المنطقة، ونرى ذلك في عدم اتخاذه لمواقف حازمة ورادعة لوقف التدخلات الإيرانية في المنطقة، ولعل المستوي الثالث وهو بأن القوى الغربية تستفيد من الوضع القائم والصراع في المنطقة من أجل تمرير مصالحها الخاصة بها، ولعلنا نرى وضوح هذا في التردد الغربي المريب لوضع حد للتدخلات الإيرانية السافرة في كل من سوريا واليمن.
التجارب السابقة للعلاقة مع إيران، التجربة تلو الأخرى أثبتت بأن إيران تحت حكم نظام الملالي ستبقي على سياستها العدوانية الهادفة على أن تعيش المنطقة دوما في حالة من عدم الاستقرار والذي يؤثر على إحدى أهم المناطق الاستراتيجية لاقتصاد العالم، وهو الأمر الذي يضع علامات تساؤل مشروعة ومنطقية عن الأجندات الغربية ومدي جديتها في مواجهة الخطر المستمر والمتنامي لنظام الملالي.