د.ثريا العريض
يتزامن هذا الأسبوع مع الموسم الثاني عشر لمعرض الرياض الدولي للكتاب. أكتب بعد يوم من افتتاحه رسمياً برعاية خادم الحرمين الشريفين ومثّله فيه معالي وزير الإعلام الأستاذ عواد العواد, وحضرت دولة الإمارات كضيف شرف موقر.. وقد سبق أن شرف بهذا دول عدة عربية وغير عربية شرقية و غربية.
ظرف طارئ حرمني من الاستجابة لدعوة حضور الافتتاح, والالتقاء بمعالي وزيرة الإعلام والثقافة الإماراتية معالي الأستاذة نورة الكعبي, والوفد المرافق والمدعوين الكرام. لكن مشاركتي شخصياً وفعلياً سبقت ذلك بيوم حيث بدعوة من قناة أبو ظبي دعيت لتسجيل حوار تلفزيوني ثقافي حول الكتاب والثقافة وبث يوم الإفتتاح.
شعار معرض الكتاب هذا العام «الكتاب مستقبل التحول». وأهم كتاب في تاريخنا هو القرآن الكريم الذي قدم للإنسانية جمعاء تعليمات حياتهم اليومية وتفاصيل الدنيا والآخرة في أسلوب اتسم بأقصى درجات البلاغة حتى رآه البعض سحراً ورآه آخرون شعراً. بدأ بكلمة «إقرأ»؛ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ. كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى. أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى. إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى. أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى. عَبْدًا إِذَا صَلَّى. أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى. أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى. أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى. أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} سورة العلق.
وفعل الأمر في «إقرا» لا يتعلق بالكتابة والقراءة التي نفهمها منه بسطحية لغوية.. بل يرتبط بقصد أن يحدث تحولٌ في فكر المتلقي السامع لآيات القرآن القادمة لاحقاً عبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- كناقل رسالة توجه الجميع.. تحدث تحولاً في فكر وتفاصيل حياة السامعين -و»القارئين للقرآن بعد تسجيله كتابة»- وتحولاً في ممارساتهم وتعاملاتهم مع الآخر ومع مستجدات الحياة.
اقرأ تعني «وصِّل» أو «انقل» كما في اقرأ رسالتي لهم.
هذا الفهم الأعمق لمعنى كلمة «اقرأ» يولد في فكري تساؤلات كثيرة: ما هو دور الكلمة؟ التعبير الذاتي الحر بلا قيود؟ أم التوعية العامة الهادفة المقننة؟.
مشاركتي بحلقة الحوار لقناة أبو ظبي, أسعدتني بفرصة تجربة مثرية للفكر والتأمل.. اختير للتسجيل موقع البجيري بالدرعية القديمة.. وذلك الاختيار جعلها تجربة في إطار منتقى يستدعي التأمل فكرياً في حاضر منطقة الرياض وماضيها ومستقبلها؛ أدار المذيع الحوار المترامي الأطراف بحرفية, أثرت حوار الضيوف المثقفين د. علي بن تميم من الإمارات, والشاعر علي الهويريني, والكاتب خالد الغنامي من السعودية.. وأنا.
حين تساءل الشاعر عن ممارسة المثقف العربي للازدواجية في القول والفعل!.. بادئاً بالمتنبي وماراً بالعقاد, وإن في ذلك تجهيلاً للمجتمع الذي يراه رمزاً يبجله ويقتدى به, تذكرت تهديد ذلك المثقف الذي أعلن رغبته في قطع أذنه والتخلص منها هروباً من جدل المثقفين والمعلقين على المثقفين وأفعالهم.
طار بي الفكر إلى المعنى القرآني لمفردة «إقرأ» المتجذر في نية التوعية, ثم إلى دور الكلمة في الثقافة اليوم؛ الكلمة المركزة الهادفة في كتب النخبة المفكرة سواء الورقية سابقا أو الإلكترونية الآن, وإضافات المعلقين عبر الشاشات على مستجدات الأحداث, والكلمة العائمة آنياً في فضاءات ساحات التواصل الاجتماعي, نقية حينا, وملوثة بقصد حيناً آخر في فيضان تويتر والإنستجرام والسناب شات المتسمة بذاتية التعبير وربما الانفلات والإسفاف وربما «الهياط» البعد عن النخبوية الثقافية. آمل أن ما عرض في سوق هذا المعرض ينفي كون المثقف غائباً.. وأتمنى؛ ليتنا بالبرنامج الممنهج القائم لإحداث التحول نولّد في قارئينا ومؤلفينا مفكرين.
وسأواصل معكم في حوارنا الحضاري القادم،،،