محمد آل الشيخ
حسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني طائفي بامتياز، وقد قال في تصريح له بمنتهى الوضوح إن خضوعه للولي الفقيه في طهران يأتي قبل خضوعه للدستور اللبناني، ومقولته هذه تستدعي في أي دولة أخرى (خيانة) مكتملة الأركان، فالولاء الطائفي، أو المذهبي، لمرجعياتهم الدينية، يأتي لدى الأحزاب الطائفية، أو المذهبية المسيسة، قبل الإنتماء للوطن، ولجميع قوانينه ومؤسساته، وعلى رأسها الدستور. لذلك يمكن الاستنتاج من هنا أن الدولة المدنية والطائفية ضدان لا يمكن أن يلتقيان، وما تلفظ به نصر الله يُظهر بوضوح هذا التضاد. ومثل هذا القول لا يسري على الشيعة الإمامية فحسب، وإنما على كل حزب مسيس أيديولوجي من السنة أيضًا.
لذلك فإن ما يجري في لبنان هو في حقيقته (توافق) طائفي، أو مذهبي، لا علاقة له بالديمقراطية والدولة المدنية التي يتباهى اللبنانيون بها، فالديمقراطية تنطلق في أساسها من أن جميع المواطنين متساوون، لا يفرق بينهم طائفة أو مذهب أو انتماء إثني. لذلك فإن الدولة الطائفية، التي يعلو فيها تعليمات الزعيم الديني على الدستور، لا يمكن أن تكون دولة مدنية إطلاقاً.
والديمقراطية لا يمكن أن تتحقق إلا في الدولة المدنية، أما الدول، أو الأحزب، ذات التوجه الديني أو العرقي، فلا يمكن أن تتماهى مع شرط التساوي بين أفراد المجتمع، رغم تباينهم في المعتقدات الدينية أو الطائفية أو العرقية. الهند مثلاً هي أفضل مثال للدول الديمقراطية، مع أن شعوبها ذوو معتقدات ولغات وأصول مختلفة، يجمع ما بينهم الأساس الذي يتفقون عليه وفحواه (أن الدين لله والوطن للجميع). والمسلمون في الهند يعتبرون أقلية، إلا أنهم يصرون إصراراً لا يُمكن المساومة عليه على رفض تسييس الأديان، لأنهم ببساطة يعلمون علم اليقين أن الأديان فيما لو تسيست، فإن الأغلبية الهندوسية ستلتهمهم، والأمر نفسه ينطبق على المسلمين في الغرب، فهم يمارسون حرياتهم الدينية لأن الديمقراطية تحميهم من تسلط الأكثرية المسيحية عليهم.
وأنا على يقين لا يخالجه شك أن مبدأ (الدين لله والوطن للجميع) ستنتهي إليه كل دول العالم حتمًا.
فالإرهاب الذي مازال يقض مضاجع العالم، سببه ومنطلقه الأساس ديني، بل إن حركة داعش -مثلا- لا يخفون أن هدفهم أن تخضع شعوب الأرض قاطبة للإسلام، أو لدولة الإسلام، شريطة أن يقدموا لهم الجزية عن يد وهم صاغرون، كما أن ملالي إيران وظفوا جميع ثرواتهم، وأفقروا شعوبهم، لتحقيق سيطرة جمهوريتهم الإسلامية على كل أمم الأرض، وهم وإن كانوا أذكى قليلاً من الدواعش، إلا أن غايتهم في نهاية المطاف واحدة، فأولئك وأولئك يتفقون في الغاية النهائية، وإن كانوا يختلفون في بعض التفاصيل العقدية.
وأمامنا التجارب الأوروبية، فقد ظلوا يقتتلون مع بعضهم لقرون عديدة، وفي النهاية إكتشفوا أنهم لن يصلوا إلى التعايش والسلام فيما بينهم، إلا إذا حيدوا الخلافات الدينية عن القضايا السياسية، على اعتبار القاعدة الذهبية التي تقول (عش أنت كما تعتقد ودع الآخرين يعيشون كما يعتقدون)، وما وصل إليه الغرب من أمن واستقرار وتطور وتفوق حضاري وتقني، ما كان ليتحقق لولا هذه القاعدة الذهبية في التعايش.
إلى اللقاء