مها محمد الشريف
لسوء الحظ لا نكتب عن منجزات العلماء بشكل استثنائي إلا بعد موتهم، ونخسر فرصة متابعتهم أحياء ومناقشة علومهم واختراعااتهم. بكل الأحوال، قرأنا خبر وفاة البروفيسور ستيفن هوكينغ صباح يوم الأربعاء الرابع عشر من مارس 2018 عن عمر يناهز 76 عاماً، والميزة الأساسية لهؤلاء الناس تحالفهم الغريب مع الحياة وتغلبهم على المشقة والتعب باقتدار في حياتهم الخاصة.
يحرك الحزن دوافعنا ونحلق في فضاء إبداعات وكتب الراحلين عنا، وفي الوقت نفسه نجده أمراً ممتعاً بالرغم من أنه لأمر شائع بين الأمم لا نحسن العطاء إلا بعد فوات الأوان، وربما يصح لنا في عصر الترابط البيني معرفة أخبار وتاريخ المتوفى وثروته العلمية حتى جعلنا نردد بعض الأقوال عنه: «انظروا إلى النجوم وليس لأقدامكم»، وكتاب يفسر حقيقة «موجز تاريخ الزمن» الذي يبسط المفاهيم المعقدة في الفيزياء بدءاً من ارسطو إلى ستيفين وينبيرغ.
ويعود نجاح هذا الكتاب إلى عبقرية ونبوغ المؤلف الذي استطاع فصل الواقع عن الأرض وهو عاجز عن الحركة عاش التجربة، وبمقدار ما نعيد قراءة اكتشافات البروفيسور هوكينغ تنضاف لعلومنا ومعارفنا استدلالات مقنعة والفرضيات التي بُنيت عليها، بوصفها أنساقاً من المفاهيم الفيزيائية، وليست هذه الطريقة فقط هي المدهشة، بل ذلك الكتاب المتصدر في موسوعة جينيس للأرقام القياسية من حيث كونه الأوسع انتشاراً، فكل الأشياء الوثيقة العلاقة بالناس لا تسقط جميعها دون زمنها، وهذا هو مقدار شهرة الكتاب الذي انتقل من مكتبة عَالم فيزيائي إلى أكثر من 40 لغة وتحول الى فيلم عام 1991 من إخراج ستيفين سبيلبرغ.
ولكنه على الرغم من هذا الجانب الأكثر خصوصية وشخصية في العالم الداخلي لا تستطيع تأليف العقول أو تحويل أي إنسان إلى هيئة سياسية واحدة، أو بالخضوع لقرارات الأكثرية، فقد حاول أرسطوا أن يوجه سؤالاً من مئات الأسئلة، وهو ما الإنسان؟ ومن هذا السؤال نضع شخص استيفن هوكينغ الذي صاغ إجابته معظم الفلاسفة والعلماء في أبحاثهم وكتبهم وفسر معظمهم أن الإنسان يتكون من أبعاد كثيرة تتحكم فيها الغرائز والأهواء والرغبات، ولكن لو أعدنا توجيه السؤال بشكل شامل لوجدنا إجابات لكل المتغيرات والمستجدات للأجيال المقبلة والمسائل بالغة الأهمية ولم يتأثر علمه ونبوغه الفكري بمرضه، فقد كان يحظى بحب الملايين في شتى أنحاء العالم.
وتجنب العديد من الأخطاء الناجمة عن مفهوم الوعي المغلوط والمزيف الذي يصور الواقع على أنه غير حقيقي، في حين أنه يرتبط بمصلحة اجتماعية ، فعلى الرغم من ميل مؤرخي الفلسفات والاكتشافات وتجاربهم المتراكمة إلى واقع الوعي وخصائصه فإنهم ينتجون تمثلاتهم وأفكارهم، إلا أن الإنسان بتكوينه الاجتماعي واعٍ بذاته وبحقيقته وإدراكه الحسي ما جعله يتماهى مع الإيديولوجيا أو النسق الكلي للأفكار والمعتقدات وله الحق في تحفظاته الجوهرية، والاستغناء عن ملاحقة سلوكياته واعتلاله، لذا يكون الإدراك الرابط لقناعة تخضعه لعلاقة تكاملية ملازمة له في حياته تحتم عليه أن يتظاهر بها.
ومع ذلك نكرر السؤال الأهم لماذا أخذ «هوكينغ نظرية الثقوب السوداء والفيزياء إلى ميدان فسيح بحجم العالم بأسره؟ كي يحقق الأهداف التي نبحث عنها ويخوض التجربة بمفرده رغم عجزه الجسدي؟ كم صورة لا تظهر للعيان غاب محتواها وبقي تنظيمها في إطار السيرورة. يتشاركها الناس كقيمة تتماثل مع مقدارها.