د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
إن المدخل الذي أدلفُ منه لحديثي عن مهرجان عنيزة الثقافي السادس هو تلك الجمعية الخيرية الصالحية التي كانت - وما زالت - نقطة ارتكاز، تشعُ منها جل إضاءات عنيزة نحو الحياة {ولا تنس نصيبك من الدنيا}؛ فمنها قواميس للعارفين وطالبي المعرفة، ومنها يبدأ خط الرحلة الاستكشافية لذلك الحراك والاقتراب المجتمعي الذكي الرصين الذي يُنسبُ لعنيزة.
أحسنتْ الجمعية الصالحية اصطياد اللحظات، واقتناص الفرص الوطنية هناك، وأجادتْ احتواء عشق «عنيزة» الفوار عند أهلها المنتجين؛ فاستفاضت غزارًا حين أقامت الجمعية منصات ذهنية دائمة، ظهرت كنواة لصناعة المستقبل هناك؛ وأعدتْ لذوي الطاقات الثمينة متكآت؛ ليُحدثوا فرقًا في سوق الإنتاج، ولذوي الفكر الثقافي والأدبي ما يرفد المواهب، ويدعم النتاج الفكري ونشره وعرضه واستشراف مستقبله.. ولذوي العلوم منصات تطبيقية، تستجلي علومهم وما درسوه...
وما زالت الجمعية الخيرية الصالحية تمتطي صهوة العاديات، وتنسج الفكر المجتمعي؛ وتصهر مميزات الإنسان في ذلك المكان إلى مميزات تصاغ وتعمل، يؤازرها قوة فاعلة في القيادة الحكومية هناك، يتصدرها صاحب السمو الملكي أمير منطقة القصيم الأمير المثقف المحفز..
وتظل عنيزة محافظة يختصر تاريخها صفحات الريادة؛ وتبقى كغيث مستديم منهمر في آفاق منطقة القصيم.
وقد تلقيتُ دعوة كريمة لحضور مهرجان عنيزة الثقافي السادس؛ فانتابني تساؤل عميق: ما الذي سوف يضمه المهرجان سوى نسخة مكررة من سائد الثقافة؟ إلا إن بداياتي في عنيزة ألهمتني نظرة جالتْ حين عبور الطريق من المطار إلى عنيزة؛ فرأيتُ أن المكان يفيض منه حراك مختلف في نسخته وتكوينه، وأيقنتُ حين بدا نخيل عنيزة كأسطر تاريخ عريق تنبئ صفحاته عما تعنيه الثقافة الممزوجة بالإنتاج المجتمعي؛ حتى حل دخولنا إلى مركز الأميرة نورة بنت عبدالرحمن الفيصل الاجتماعي حيث تُقام الفعاليات النسائية للمهرجان. والمركزُ من المبادرات المجتمعية الرائدة للجمعية الخيريّة الصالحية؛ فكان المركز ناطقًا مؤكدًا أن العلاقة بينه وبين مجتمع عنيزة علاقة مرتبطة بمضمون الاحتياج المجتمعي لتسهيل دخول العصر الحديث للمكان، ولتشكيل مسيرة تنموية شاملة؛ فالمركز جدير بزيارات عدة لقراءة الإنتاج ومنتجيه، وقراءة الحوار الحضاري الذي تسربلتْ به الزائرات في أيام المهرجان؛ فكل من دخلتْ إلى رواق مركز الأميرة نورة هي صديقتهن التي تأخذ بألبابهن!! نعم، لقد اعتقل المهرجان أوقاتنا؛ فهناك أفكار جمالية فاخرة، تتقافز حولها، ومنها فتيات عنيزة في ابتكار وإنتاج وصل بقوة إلى منصات التسويق؛ فهناك وافر من الأنشطة تقوم عليه زهرات تفتقت في مركز الأميرة نورة الذي بدا وكأنه هيئة اقتصادية ثقافية فنية تراثية، تحمل مجتمعًا بأكمله ممزوجًا بحب عنيزة وعشق وطننا الكبير في مساحات من الحراك المحمود والأسقف المطمئنة للنجاح بتوفيق الله. ويسمو مركز الأميرة نورة لكونه منصة تنوير ثقافية كبرى حيث المكتبة الرائدة الزاخرة، وحيث الأنشطة المنبرية الثقافية التي ترتادها النساء. وللرجال في شطرهم حراك مثيل، وخصوصية محفزة لمجتمعات الشباب ومَن رادوا فضاءات المجتمع من الخبرات الرجالية المختلفة في كل مجال تنموي في سائر المناشط والثقافات...
في لحظاتي في عُنيزة الفاخرة، وفي منصات التلقي على مسرح مركز الأميرة نورة، كان الطرح المُنْتقى يمس وجيب المجتمع؛ ويشبع متطلباته، وكان الافتتاح فاخرًا؛ يتواشج مع المكان والمكانة بحضور محفز ولافت من سمو حرم أمير المنطقة. وامتلأ الفضاء بالفنون، وكلها تليق بدهشة المكان، وتصميم مكوناته.. وما زال المركز مسترادًا للوفود الزائرة من المدن الأخرى في بلادنا؛ ليستمعوا إلى حكايات الاقتصاد المعرفي والإنتاجي الحي بأنماطه الذي أورق من خلال الأخلاق السامية والحميمية الغزيرة التي هي حتمًا من صنعتْ اقتصاد الإنتاج في المهرجان خاصة، وفي مرتبعات عُنيزة عامة، وفي سائر أوقات المركز، وهي أيضًا من صنعتْ جمال التلقي؛ فعجيب جدًّا ما صنعه التعامل الندي الذي نثرته أخواتنا في مركز الأميرة نورة الاجتماعي!!
لقد أوجزتُ حد الخجل!! وإلا فالمهرجانُ أعلام وإعلام، ومركز الأميرة نورة بنت عبدالرحمن جهد وجدّ ووجدّ؛ وهناك صعود مشهود، يحمل سر الحياة الجميلة في عُنيزة...
بوح:
ووقفتُ في ذاك المكان بلهفة
ياللبهاء وذي «عنيزة» تسكنُهْ