فيصل أكرم
قبل أكثر من عام تقريباً، جاءني اتصالٌ من (سعود اليوسف) يدعوني لإحياء أمسية شعرية في نادي الرياض الأدبي، وقد تذكرتُ الاسم بشيء من التردد، حيث إنني كنت ألمح – هنا في الجزيرة – بين فترة وأخرى مقالة نقدية موقعة باسم (د. سعود بن سليمان اليوسف) وبالفعل ظهر لي أنه هو؛ غير أنني اعتذرتُ عن قبول الدعوة بسبب إقامتي في مصر والسفر شاقٌ بالنسبة لي، وقد قبل اعتذاري مشكوراً مع التقدير.
وقبل نصف عام تقريباً، اتصل بي د. سعود اليوسف يخبرني أنه في القاهرة ويطلب عنواني لزيارتي.. أعطيته العنوان طبعاً، وتفضل بزيارتي، وكان يشرفني في منزلي تلك اللحظة أخي الكبير الشاعر القدير أ. سعد الحميدين؛ وجلسنا الثلاثة معاً نتحدث عن أشياء كثيرة وكبيرة حول الشعر والنقد والأدب والثقافة عموماً.. المدهش في ذلك المساء أن الدكتور سعود اليوسف كان أول مرة يلتقي - وجهاً لوجه - بالأستاذ سعد الحميدين، وكذلك أول مرة يلتقي بي شخصياً، غير أنه كان عميقاً وصريحاً وجريئاً في النقاش برغم فوارق الأجيال بيننا.. فقد كنا نمثل خمسة أجيال تقريباً، لأن سعد الحميدين يسبقني بمسافة تزيد على جيلين شعرياً وعمرياً، أما سعود اليوسف فأنا أسبقه بمسافة لا تقل عن جيل واحد شعرياً وعمرياً أيضاً؛ ومع ذلك كانت جلسة ثرية ممتعة لا أظنّ أحداً من ثلاثتنا ينساها!
بعدها بشهرين أو ثلاثة زرتُ الرياض في زيارة خاطفة وعلم بذلك د. سعود فاحتفى بي حفاوة جميلة وكان منزله عامراً بالضيوف أذكر منهم الشاعر الأديب سعد الغريبي والشاعر المهندس حاتم الجديبا والأستاذ عبد الله أبو بكر وغيرهم ممن لا تحضرني أسماؤهم الآن، وقد أهديتُ الجميع في تلك الجلسة آخر كتابين صدرا لي في القاهرة (ديوان: كالطوق من حولي تربّع، وسيرة: سيف بن أعطى – طبعة مصر) فكتب عنهما مشكوراً بعضُ الأصدقاء الذين جمعني بهم الصديق العزيز د. سعود. في الوقت نفسه أهداني سعود اليوسف مؤلفاته، ولكني تركتها في منزلي بالرياض وعدتُ لمصر.. اليوم، في زيارتي الخاطفة إلى الرياض.. قرأتُ ديوان (صوت برائحة الطين) وهو الديوان الثاني لسعود اليوسف، بحسب (قاموس الأدب والأدباء) حيث كتب الدكتور عبد الله بن سليم الرشيد في التعريف بالشاعر ضمن مواد القاموس: (أصدر سعود اليوسف ديوانه الأول «غروب زمن الشروق» عن نادي الرياض الأدبي، وهو ضميمة جمع فيها قصائد الصبا، وبدايات الممارسة الشعرية، ولذلك غلب على أكثرها ضعف البداية، ونمطية التداول، وكثرة التقليد والمعارضة، ولكنه كان يعد بشعرية جيدة.. وهو متمسّك بالإيقاع، ويراه من ضرورات الشعر، وقد أثبتت قصائده التالية ما جُبل عليه من شاعرية، فقد تجاوز المستوى الذي ظهرت به قصائده الأولى، إذ برز أثرُ قراءاته المتأنية في الشعر القديم والجديد، واستطاع بما أوتي من موهبة أن يحلّق في أجواء بعيدة، وأن يشقّ لنفسه طريقةً في الشعر... وكان ديوانه الثاني (صوت برائحة الطين) إيذاناً بانطلاقته الجديدة، وصوته المتميّز..). وبعد، فديوان سعود اليوسف (صوت برائحة الطين) الصادر عن دار الكفاح بالدمام عام 2009 أعجبني بالمجمل والتفصيل، وقد شدّتني العبارة التي كتبها في إهدائه نسخة منه لي (إليكَ صوتي، في انتظار الصدى..).
والصدى عندي لا يتجاوز رائحة الصوت، صوت سعود اليوسف في إحدى قصائد ديوانه، عنوانها (ما أروع وأسوأ أن تكون شاعراً) أقتطفُ منها:
(كلّما حاول المنامَ قليلاً
أيقظ اللفظُ والرؤى شيطانه
صاغياتٌ نفوسنا للهوى، والشاعرُ
الحبُّ ساكنٌ وجدانه
التماعُ السرابِ وهمٌ، ولكنْ
عطشة المرء حقّقت لمعانه)!
ffnff69@hotmail.com