في نادي أبها الأدبي ،أقيمت مسامرة ثقافية بعنوان (جهود السعودية في تنمية اليمن واستقراره )،كان المثير فيها كالعادة المداخلات وحيودها طرحا وسؤالا عن جوهر الموضوع الأساس .
كان هناك اختلاف في توصيف شرعية هذه الحرب ،لتكون إطارها العام الذي من خلالها تقرأ وتدرس وتعاش ،أحدهم نحى الجانب الطائفي ورأى أن الحرب سياسية في كل أبعادها السابقة واللاحقة ملقيا باللوم على بعض التوجهات التي أرادت -من وجهة نظره- استخدام البعد الطائفي ليكون شرعية ذلك الصراع، ليسقط على قضايا فكرية جدلية محلية أخرى .
آخر، رأى في الصراع وجها عروبيا خالصا كونه امتداد لذي قار والقادسية ،وآخر وبالأرقام يقول :- ،خسر الإعلام المحلي الحضور على خارطة الصراع كون من مثله لم يستطيعوا إبراز الدور السعودي التنموي في إليمن، مشيرا إلى أن العمل التنموي بكل تجلياته المشرقة هو من يعجل بكسب الصراع في اليمن ومع إيران .
عدت بذاكرتي إلى الحرب العراقية الإيرانية ،والشرعية التي ارتكز عليها نظام البعث في محاربة الجارة إيران ،ومن الطرائف في هذا الصراع ،أن القواسم المذهبية والطائفية كانت متداخلة بين الجارتين العدوتين إلى حد كبير جدا ،ومع ذلك نجح نظام البعث المحسوب على الطائفة السنية شكلا وبكادر شيعي على مستوى القيادات الميدانية ،أن ينحي كل الشرعيات الطائفية والمذهبية ،وتصبح العروبة هي الإطار الذي أطر هذه الحرب في الداخل العراقي والخارج العربي .
فأصبح العراق ببعده العروبي هو البوابة الشرقية ،وأصبحت المعارك العسكرية امتدادا للقادسية الأم.
وهنا نجح البعث (بمثقفيه ومفكريه ) في إحياء وإيجاد هذه الشرعية التي أصبحت محور الخطاب التعبوي والذي استقطب جل العرب ووحدهم من المحيط إلى الخليج .
هنا في الداخل ، نجد أن الأمر قد يختلف ،فالمثقف المحلي ،منشغل بالتنظير غير مستوعب لأبسط أبجديات السياسة، غارق في صراعات داخلية، يستخدم فيها القضايا الكبرى ليتكئ عليها وسيلة للنيل والتطاول على الأقران الذين يشاركونه المكان ويختلفون معه في كيفية التعاطي مع هذه الأحداث .
هذا الطرح أسوقه من خلال ذلك المقطع التشريحي الذي عشته في نادي أبها الأدبي في ذلك المساء وبالرغم من كونه لا يمثل الصورة الكلية للسواد الأعظم من المثقفين تجاه هذه القضية وغيرها،ولكنه قد يعطي مؤشرات وومضات تعكس حالة المثقف وطريقة تفكيره .
السياسة فن الممكن ،-هكذا يقال- والثقافات المتعددة ،تدخل تحت سلطة السياسي كعناوين فرعية ،تستحضر حينا وتشطب أحيانا أخرى ،هذا واقع إنساني معروف ولا ينكر ،وهنا ينحسر دور المثقف التقليدي الذي لا يملك أدوات التفكير وفق الواقع الذي يعيشه ويتغير بين فترة وأخرى تبعا للتغيرات السياسية، وهنا يبرز السؤال :-ماقيمة التوصيف الثقافي للفعل السياسي ؟،ومتى يكون ضرورة تمليها المصلحة والواقع ؟ .
أعتقد أن المثقف وتحت تأثير شهوة الحضور أحيانا يقحم نفسه في أتون قضايا معقدة، ربما بقصد مغازلة السلطة، أو تسجيل موقف يحسب له عند الأتباع، أو لصحوة ضمير تملي عليه قول شيء في لحظة فارقة من الزمن، ولكن هذا التداخل مع الأحداث والتدخل في صنع القرارات أو محاولة التأثير عليها، يكون منعدما في المجمل، مجرد حضور شكلي يسجل في خانة نحن هنا فقط، إضافة إلى أن السياسي يملك من الوعي ما يجعله قادرًا على التحرك وفق معطيات الأحداث ومقتضياتها ،بعكس المثقف المحلي والعربي الذي ينكمش رأيا في لحظات فارقة، وقد لايستطيع التراجع عن موقف سبق وأن آمن به بعكس السياسي الذي يعيش اللحظة ويملك من الخيارات ما يجعله قادرًا على الفعل وعلى التعاطي مع ردة ذلك الفعل المنتظرة أو غير المحسوبة.
المثقف المحلي منشغل بأقرانه أكثر من القضايا المشتركة التي تحل فجأة ،حتى أساليبه العملية والنظرية في التعاطي مع الأحداث تبدأ بالتدقيق أولا في موقف المنافس أو المختلف ،وهذا ينعكس على القضايا فيصبح الجانب الشخصي هو الأساس وتصادر المصلحة العامة ومقتضياتها التحليلية وأدواتها التفصيلية والتأصيلية .
وهنا يجب أن نقول أن القضايا الكبرى والمصيرية قد تضطر ظروفها وإرهاصاتها وانعكاساتها ونتائجها قد تضطر السياسي إلى اتخاذ مواقف سريعة وأصيلة تحفظ البلاد والعباد ،وليس مهما حالة التوصيف التي ينتهجها المثقف ومواقفه من هذه القضايا، لأن الأحداث في عالمنا العربي والإنساني عموما، تؤكد أن المثقف ما هو إلا صدى للفعل السياسي وأنه في شأننا العربي غائب عن المشهد ،وإذا حضر فإنه حضور تشوبه العاطفة والأفكار القديمة، وإذا أخذ موقفا، ففي الغالب هذا الموقف ينطلق من خصومة أو شهوة حضور تجعله دائما ردة الفعل ،فيما الفعل يبقى بيد السياسي الأكثر تطورا وإدراكا والذي يشكل الحياة ومن ضمنها المثقف وأفكاره وأحيانا مواقفه تبعا لمصلحة تعجز أدوات المثقف التقليدي رؤيتها فضلا عن ملامستها أو تجاوزها .
- علي المطوع