بعد (أنا هي كل النساء) 2008 و(خرج الأمر من يدي) 2010 تطل علينا حنان أبو حيمد بكتابها الجديد (ماذا لو كنت رجلا)؟! عن قلم الخيال للنشر والتوزيع في مائة وعشرين صفحة.
عنوان يبدو للوهلة الأولى صادما فماذا عسى أن تفعل هذه المرأة لو كانت رجلا؟ هل ستفعل شيئا لم نفعله – معشر الرجال - أم ستصلح ما وقعنا فيه من أخطاء؟!
لكن يخفف من هذه الصدمة الإهداء اللطيف الذي صدرت به الكتاب: «إلى كل أنثى تمنت ذات يوم أن كانت رجلا. تذكري كم تملكين من الجمال والرقة. وقتها فقط ستعرفين أن الله خلقك كما يجب أن تكوني»!..
غلاف الكتاب لوحة فنية جميلة لامرأة تواجه المرآة فتنعكس صورتها رجلا خجولا يغطي وجهه بكفيه!
صنفت المؤلفة كتابها ضمن القصص؛ بل (قصص حالمة) كما يبدو من الغلاف، لكن من يقرأ الكتاب لا يجد سوى ثلاث قصص، أما بقية الكتاب فخواطر نثرية موجهة في معظمها للمرأة، أو للرجل كما تريده المرأة.
تقول في خاطرة بعنوان (الأمل جمال):
«ستجد الجمال في كل مكان مهما كان،
حتى وإن شعرت بالوحدة،
ولم يكن لديك من يؤنس روحك..
أو يمسح بيديه على جروحك..
تأمل ما صنعته يد الخالق تبارك في علاه..
ستعثر على الأمل حتى وإن تعثرت بالألم...» ص14
ويبدو تشبث المؤلفة بالأمل جليا كما في الفقرة التالية من خاطرة بعنوان (التفاف الأبجدية) ومنها يتبين تأثرها بتخصصها (التمريض):
«لذلك.. لنبقِ الأمل في قلوبنا لنعيش،
فمنحنى حياتنا عليه أن يصعد ويهبط..
لأن استقامته تعني الموت؛
تماما كتخطيط القلب». ص23
بيت القصيد في الكتاب وما يفسر عنوانه هو الخاطرة المعنونة بـ (ماذا لو كنت رجلا) أختار منها أكثرها دلالة:
«فليغفر لي الرب ويسامحني،
فكم مرة تساءلت: لمَ لمْ يخلقني رجلا؟
مما كنت أراه من حولي وأسمعه..
الرجل دائما على حق،
وكلمته هي الأولى..
حتى لو قال: إن الثلاثة أربعة..
لكنْ حين كبرت شكرت الله
أن خلقني امرأة». ص27
ثم راحت فيما بقى من الخاطرة تعرض لبعض صفات جميلة في كل من المرأة والرجل لتنتهي إلى النتيجة التالية:
«هذا كله يوصلنا إلى قناعة
أن خلف كل امرأة ناجحة
رجل عظيم، للأمام يدفعها..
وأن خلف كل رجل امرأة عظيمة
إلى التميز تدفعه».. ص30
وفي خاطرة قصيرة جميلة بعنوان: (جدائل حبه) تقول:
«قصت جدائل حبه الطويلة..
مررت مشطها بين خصلات التوقف..
وابتسمت في وجه المرآة..
وقالت: أحببته أكثر مما يجب...» ص34
وقد لا يكون واضحا تماما اقتباسها عنوان خاطرتها من قصيدة بدر بن عبدالمحسن المغناة (قصت ظفايرها) لولا أنها ختمت الخاطرة باقتباسها لرواية أثير النشمي (أحببتك أكثر مما ينبغي)!
ويبدو أن حنان أبو حيمد تتأثر كثيرا بقراءتها – وبخاصة في اختيارها عناوين خاطراتها - ففي الكتاب الذي بين أيدينا خاطرة بعنوان (أعلنت عليك اللهفة) مقتبس عنوانها من عنوان كتاب (أعلنت عليك الحب) لغادة السمان، أو من كتاب (عليك اللهفة) لأحلام مستغانمي.
من القصص القليلة في الكتاب قصة بعنوان (مع السلامة) تحكي قصة فتاة تنتظر حبيبها وتهيئ نفسها بأبهى زينة وأزكى عطر، وتزين بيتها بأشهى طعام وبأينع ورد، وتنتظر.. وأخيرا تحتضن عطرها ووردتها وتنام!
في خاطرة بعنوان (أنا أنثى) تسلم بالفروق البيولوجية بين الرجل والمرأة، وبما تمر به حواء من تغيرات هرمونية فسيولوجية تؤثر على مزاجها ومشاعرها، وتخاطب (آدم) مذكرة إياه بأنها لا تختلف عن أية امرأة:
«وهدفي من كل ذلك أن أخبرك أنني أمر أحيانا في تلك المراحل والظروف الخاصة بحواء. يجب أن تعرف إحساسي وتتفهم مشاعري وأنني في حالة خاصة. هل تستوعبني؟» ص55
وتجيب عن السؤال «لا أبدا لن تفعل». ثم تتساءل لم لا تكون مثله وتعامله بالمثل؟ فتفسر ذلك سببا آخر يعود لخصوصية الرجل: «لأنني لا أريد خسارتك.. بينما أنت لا تهتم لخسارتي حيث دائما هناك بدائل»!.
وفي الكتاب محاولة لألفية نثرية تمر بحروف الهجاء حرفا حرفا فتوظف الكلمات التي تبدأ بالحرف نفسه في الخاطرة. لنقرأ ما قالته في حرف الصاد مثلا:
«الصاد صوت بلا صدى
صراخ يعلن عن ولادة
وصمت ينعي الموت
تفصل اللحظتين ثوان
صورتان: مهد هنا وهناك نعش
صرير أبواب الحياة». ص72
وفي باب الحاء تقول:
الحاء حنان وحنين
وحصاد السنين
وحقول الياسمين
وحديث المحبين
وحناء جدتي
حمراء في وسط اليدين
وحواء الجميلة خبأت في صدرها سرها الدفين». ص63
ولعلنا لحظنا فيما مر بنا من نماذج من كتاب (أبو حيمد) اهتمامها بالسجع وهو أسلوب يعمد إليه كثير من الكتاب الشباب والفتيات، وهو إن كان مقبولا ومستساغا في بعض النصوص؛ فهو ليس كذلك دائما. إن أكثر ما يحول بين شعراء قصيدة النثر وبين القصيدة العمودية التزامها بقافية واحدة؛ فما الذي يجبر كاتب النص النثري على الالتزام بالقافية؟ سؤال ما زلت أطرحه على من يكتب بهذا الأسلوب لكني لم أجد من يجيب؟!
الكتاب لا يخلو من عبارات يقف القارئ أمامها إعجابا لجمال أسلوبها وسمو معناها، ومن ذلك قولها:
«لماذا علينا أن نقتلع حناجرنا ونختار الصمت؟ رغم أن بداخلنا صرخات لو أطلقناها لاهتزت أبدانهم؟
نضمد الجراح بالملح.
وترتشح مسامات جلودنا الألم والهم وننام بوحدتنا».. ص39
وفي موضع آخر تقول: «إلى متى تستجدين منه كلمة الحب؟
تتسلقين مشاعره الباردة كجبال الألب..
تبحثين عن حنانه المقدد
في زوايا وجهه الجاف». ص 56
وأخيرا: لا بد من الإشارة إلى ما امتلأ به الكتاب من أخطاء نحوية ولغوية بسبب أن الكاتبة غير مختصة في اللغة، لكن ذلك لا يعفيها من اللوم، فهي أيضا ليست مختصة في الإخراج ولا في تصميم الغلاف؛ لكنها اجتهدت في أن تبحث عن مصمم حتى خرجت بغلاف جميل معبر عن محتوى الكتاب، فلماذا لم تبحث عمن يتم جمال المتن، وينقيه مما شابه من كدر الأخطاء؟!
من أسوأ الأخطاء على الإطلاق ما أسميه بـ (الأخطاء المقصودة) إذ يعمد المؤلف، أو من يوظفه الناشر لتدقيق الكتب – وإن يكن غير مختص – إلى ضبط النص بالشكل ضبطا خاطئا، ولو تركه دون ضبط لكان أجدر.. تأمل الكلمتين اللتين وضعتهما بين قوسين في العبارة التالية: «كل منا يحمل داخله (ماردٌ) من القوة لكن (بعضُنا) لا يدرك وجوده». ص24
- سعد عبدالله الغريبي