كمُتّهمة أجلس قُبَالة طبيبتي التي صارت تراني بمعدل كلّ أسبوع مرة.
امرأة ناضجة تفقدُ طفلتها!
هكذا بدأ السيناريو الحزين!
في بدء الجلسات؛ كنتُ أحرص على أن أحضر لها بكامل أناقتي, ولا أدري لمه؟!
ربما لأنني اعتدتُ عندما أحزن, أنْ أُخففَ عن روحي وطأة الحزن باختيار القالب الجميل للباطن المُنهك.
في كلّ مرة أذهب فيها إليها؛ كانتْ تمنحني وصاياها دون أن تُعلّق على ملامحي.
في زيارتي الأخيرة لها؛ كنتُ قد وصلتُ إلى مرحلة متأخرة من الإنهاك من كلّ شيء؛ فلم أكثرثْ لمظهري كما اعتادت مِنّي.
وفور أنْ نزعت «النقاب» عن وجهي, واستويتُ جالسة, ابتسمتْ لي كما تبتسم الأمّهات.
وقالت: بسم الله، ماشاء الله!
ابتسمتُ بحزني, وخشع رأسي لليسار قليلا -كعادتي عندما اضطر لمجاملة بعض عبارات التّجمّل المُختَرعة للتربيتِ-
قالت لي: اليوم ستجدين طفلتك, فأنا أراها الآن تُطِلّ من ملامحك.
في كلّ مرة كنتِ تخبئين أحزانك خلف الألوان والأصباغ, ترتدين أقنعة الأناقة, بحجة ألا تستسلمي لأحزانك.
اتركي روحك تُطِلّ من أعماقك دون أقنعة.
افسحي الطريق لطفلتك التائهة في داخلك؛ لتخرج للحياة بمرحها الطفولي.
هي فقط غاضبة مِنك قليلا!
تحسسيها وستعود.
خرجتُ من عندها, وأنا أتحسس طفلتي في أعماقي.
كانتْ تجلسُ في زاوية مظلمة, عاقدة حاجبيها. شعرها منكوش، وشفتيها مُلطّخة ببقايا «النوتيلا»، وأصابعها مغروسة في العلبة التي جفت, وأعاقتها عن الخروج.
-د. زكية بنت محمد العتيبي