إبراهيم بن سعد الماجد
ما كنت أحسب الشيخ منصور المالك -رحمه الله- إلا من الرجال القلائل الأكثر صلة ووصلا، وما عرفته بمنادمة، ولكني عرفته بسمعة فاقت كل وصف، زهداً وعلماً وفضلا، في كل مناسبة يُدعى لها يجيب، يوم كان على هرم المسؤولية ويوم تقاعد من العمل لم يتغيّر طبعه، واصلاً هاشاً باشا.
عقود تسعة مرت كانت طاعة وعبادة وقرباً إلى الله، هكذا وصفه الأقربون والأبعدون، وهنا أقف مع الرحيل وما يتذكر الناس من سمات وفضل الراحل، سألت نفسي البارحة ماذا يمكن أن نغبط أي راحل عن دنيانا به؟
وكانت الإجابة فيما نسطره جميعنا عند رحيل أي قريب أو صديق أو وجيه، هل نقول إنه كان يملك الأموال ويبدع ويتفنن في تكديسها والذود عن حياضها، أم نقول إنه كان يملك وسامة وبسامة وجمالا؟ أم.. و.. أم الجواب ما نسطره كلنا وهو أنه كان قريبا من الله، كان مصلياً متصدقاً مستغفراً، معرضاً عن أعراض الناس، ماداً يد المعروف، كافاً يده ولسانه عن كل ما لا يعنيه.
عقود تسعة مرت على فقيدنا معالي الشيخ منصور بن حمد المالك، وها هو يرحل ونتذكره بكل عمل صالح فتفرح قلوب محبيه وتطمئن.
أخي، شقيق الراحل الأستاذ خالد نعى الفقيد بمقالتين فاحت منهما رائحة اللوعة على مر الفراق ولمثله أن يلتاع ويتألم، فالفقيد عميد الأسرة، وليس كأي عميد، فقد بكته محافظة الرس بأجمعها فالفقد فقد الجميع، كأني أسمع أبا بشار يردد:
وأنت وإن أفردت في دار وحشةٍ
فإني في دار الأنس في وحشة الفرد
أود إذا ما الموت أوفد معشراً
إلى عسكر الأموات أني مع الوفد
عليك سلام الله مني تحية
ومن كل غيث صادق البرق والرعد
أخي خالد وجميع الأشقاء والأبناء والبنات والأهل والأقرباء والأصحاب والأصدقاء، اليوم ننعى شيخا فاضلا تألمنا لرحيله، لكن تدرون من تألم أكثر منا؟
إنها روضة المسجد، ومصحفه وسجادته، ومحراب تهجده في بيته، هؤلاء هم الأكثر فقداً له، لكنهم برحمته سبحانه وتعالى سيكونون معه في قبره ويوم عرضه، هم الأنس الحقيقي له، ليست مقالاتنا ولا أشخاصنا بنافعة له، إلا ولد صالح يدعو له.
الرحيل إن لم يحرك لنا قلوباً ران عليها ما ران من نسيان وتأجيل وتسويف حتى صارت إلى الكوب المجخيا أقرب ، إن لم تتحرك عند وقوع مصائب الموت، فإن العزاء الحقيقي لنا فيها لا في من رحل.
لك الله يا أبا بشار فدمع مَن هو في مقامك من الفقيد مؤلم واللوعة حرى، والعزاء ليس بالحروف ولكن بالدعاء الصادق أن يتغمد شقيق الروح برحماته وان يجعل يوم رحيله يوم تستيقظ فيه قلوبنا ونعود فيه لرشدنا ونتهيأ ليوم رحيلنا، فهذا اليوم كما قلت في مقالتك آت لا محالة وهو حق نؤمن به.
نسأل الله لأبي عبد الله الفردوس الأعلى من الجنة، ولنا عودة وإنابة واستعداد لساعتنا.
والحمد لله رب العالمين.