عماد المديفر
كل شيء في السياسة (إعلام)..!..
فعلاوة على الدور المعتاد المناط بالوفود الإعلامية المرافقة للقادة في الزيارات الرسمية لمخاطبة الرأي العام المحلي، قياماً بالوظيفتين الإخبارية والتفسيرية، وتأطير وشرح أحداث وفعاليات وأجندة الزيارة، ووضعها في سياقها العام، وتكوين الرأي العام المحلي تجاهها.. والذي عادةً ما تنجح فيه إلى حد بعيد وفودنا الإعلامية المشاركة، بيد أن زيارات الدولة (State Visits) تعد الفرصة الأنسب، والأكثر تأثيراً لنا في الرأي العام لدى الدول الشقيقة والصديقة -متى ما تم توظيفها بالشكل الأمثل، وعبر تخطيط وتنظيم مسبق، واضح السياسات، محدد الأهداف- وذلك من خلال قيام الوفود الإعلامية باجتماعات مع نظرائهم من النخب والكتّاب وقادة الرأي والإعلاميين والبرلمانيين في البلد المضيف، والمشاركة في منتديات وحلقات بحث ونقاشات عامة، للقيام بواجبهم ودورهم الذي لا يقل أهمية عن سابقه، في تعزيز الصورة الإيجابية تجاه تحركات وسياسات وقيم ومبادئ وثقافة المملكة لدى النخب، ولدى الجماهير الأجنبية على السواء.
والتواصل مع الشعوب الصديقة، ومحاولة تسليط مزيد من الضوء الإعلامي على الزيارة، من زوايا مختلفة، ربما لم يتطرق لها إعلام البلد المضيف، وصولاً إلى التأثير الإيجابي في الرأي العام الأجنبي لدى هذا البلد الصديق أو ذاك.. وبالتالي بناء حوار تفاعلي مباشر وفعال، ثنائي الاتجاه، يخدم صانع القرار في فهم اتجاهات هذه الشعوب، كما يخدمه في فهم الشعوب لسياسات المملكة وقراراتها ومواقفها وتحركاتها على الساحة الدولية.. مع الانتباه إلى ضرورة توفير الترجمة الجيدة، والحذر من الانزلاق في منعطف اللغة الأجنبية، بحيث ينبغي أن لا يؤثر متغير إتقان اللغة الأجنبية في اختيار النخب وأعضاء الوفود الإعلامية المرافقة، لتصبح رهينة على أساسه، إذ متغير اللغة عادة ما يكون مخادعاً.. فتجد من يتحدث لغة البلد المضيف بطلاقة، بيد أنه غير مناسب للقيام بأكثر من دور المترجم في أحسن الأحوال، وهو دور غاية في الأهمية دون شك.. لكن ضمن إطاره المتمثل في (الترجمة) فقط.. والتركيز عوضاً عن ذلك على متغير المعرفة العميقة والفهم الدقيق لأهداف وسياسات المملكة وتاريخها وثقافتها وقيمها، وتاريخ وثقافة وقيم الشعوب الصديقة.. والفهم الشامل لأهداف الزيارة والمصالح المراد تحقيقها.. والقدرة على المساهمة الفاعلة في ذلك من خلال ما يتمتع به من كريزما، وقدرات وخبرات علمية واتصالية وعملية.
ولذا؛ يعد علماء الاتصال السياسي مثل هذه الزيارات الرفيعة التي يقوم بها القادة وكبار المسؤولين بين الدول، وما يرافقها من فعاليات مصاحبة، من أبرز وسائل العمل الدبلوماسي الشعبي (أو الدبلوماسية العامة) كنشاط علني موجه، تقوم به الدولة سعياً إلى تعزيز مصالحها الوطنية، من خلال الإعلام، لمحاولة التأثير الإيجابي على الجماهير الأجنبية، وبالتالي السعي للتأثير بشكل أو بآخر -وإن بدرجات متفاوتة- على آراء واتجاهات العامة، والنخبة في البلد المضيف.
وهنا تتم عملية الترويج للقيم والثقافات والسياسات والأهداف والرؤى الحالية للمملكة.. وتقديم تفسيرات تتسق والقيم والسياسات والمبادئ والمصالح لدى البلد المضيف، تعزيزاً للتعاون البيني المشترك، وتدعيماً وتوطيداً للعلاقات الثنائية، وتقوية لنقاط الاتفاق، وحلحلة لنقاط التباين، وتدويراً للزوايا.. الأمر الذي يَصْب في المحصلة لخدمة المصلحة الوطنية العليا التي أقرها ورسمها ولي الأمر -أيده الله-.
وعليه فإنه من الأهمية بمكان ألا يقتصر عمل الوفود الإعلامية المرافقة على توجيه رسالتها إلى الإعلام المحلي السعودي، أو النخب في البلد المضيف، أو المشاركة في بعض الفعاليات الثقافية والفلكلورية -على أهمية جميع ذلك دون شك-؛ بل ينبغي أن تمتد هذه المشاركات، لتتضمن فتح قنوات اتصال مباشرة بين الوفود الإعلامية المرافقة ووسائل الإعلام ومراكز البحوث والدراسات Think Tanks في الدولة المضيفة.. وذلك لا يتأتى إلا بتخطيط وتنظيم مسبق، محدد الأهداف، ووفق دراسات قبلية، وربما ميدانية.. يقوم بها الباحثون السعوديون المختصون، ولا يمنع ذلك من الاستعانة بباحثين من البلد المضيف المزمع زيارته.. بل وقد يسهم ذلك في تقوية النتائج، وتبادل المنافع.
كما أشير هنا إلى مدى فاعلية زيادة مدة بقاء الوفود الإعلامية والثقافية المرافقة.. كأن تسبق زيارة الدولة بثلاثة أيام على الأقل، وتتأخر بعدها مدة مقاربة.. للتواصل مع وسائل الإعلام، ومراكز الأبحاث، والجامعات، والمراكز والأندية الثقافية والاجتماعية في البلد المضيف، للمساهمة في التهيئة والتوطيد (قبلاً)، والشرح والتفسير (أثناء وبعد الزيارة) بصفتهم كتاب رأي، ومحللين، وإعلاميين، ومثقفين، وباحثين.. لا يحملون صفة دبلوماسية رسمية.. بحيث تهدف هذه الأنشطة، وهذا التواصل، إلى خلق أجواء من الارتياح والثقة، وبناء التأييد.
اليوم؛ أضحى التعاون (الوثيق) بين المسؤولين والإعلاميين، بكل ما تعنيه كلمة (وثيق) من معنى؛ ضرورة ملحة، وليؤدي هذا التعاون إلى زيادة الدور الإيجابي والفعال للإعلاميين ولوسائل الإعلام، من خلال الاستعانة الرئيسة بالكتاب والمفكرين والمحللين والمثقفين والمراسلين والصحفيين المرافقين للقادة والمسؤولين عند زياراتهم الرسمية الخارجية، للقيام بمهام دبلوماسية شعبية موازية ومساندة، تسهل للمسؤول وصانع القرار تحقيق النتائج المأمولة في أقصى درجاتها الممكنة.
إن ما يمتاز به تواجد ومشاركة الوفود الإعلامية والثقافية في زيارات الدولة، أنها تتغلغل بانسيابية طبيعية في أعماق التأثير داخل الرأي العام في البلد المضيف، فتكسبها زيارة الدولة الزخم والفرصة الكبرى في الوصول، كما تُكسب الزيارة الفرصة القصوى في النجاح وتحقيق الأهداف؛ إنها تمثل شكلاً من أشكال التواصل غير الرسمي، إذ هم في نهاية المطاف كتاب رأي، ومحللون، وباحثون، وإعلاميون، وأعضاء مجلس شورى، مستقلون تماماً.. ولا يحملون أي صفة دبلوماسية رسمية، وفي ذات الوقت يسهمون بشكل فعال في خلق رأي عام (واعٍ وجيد) داخل البلد المضيف، تنعكس آثاره الإيجابية على قرارت صانع القرار في هذا البلد أو ذاك.
إلى اللقاء،،،