د. حسن بن فهد الهويمل
رحم الله أبا عبد الله معالي الشيخ منصور بن حمد المالك 1350- 1439هـ الذي فارق دار الفناء، إلى دار البقاء.
ورحيل مثله، يبعث على التأمل، والمراجعة، والاسترجاع. لأنه أحدث شيئاً ما في حياته الحافلة بجلائل الأعمال، وترك فراغاً بعد رحيله.
كان ذا سيرة عطرة، وسلوك عملي حميد. رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}. وألهم أهله، ومعارفه، وزملاءه، وطلابه الصبر، والسلوان.
لقد فارق الحياة بمنغصاتها، والأحياء بمشاكلهم، ودخل عوالم أخرى، فيها مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
إنها الحياة الأزلية فإما نعيم لا شقاء بعده، أو شقاء لا نعيم بعده. والسعيد السعيد من مات على (كلمة التوحيد)، لأنها المعبر إلى دار القرار، فكيف بمن قضى حياته عابداً، ومحسناً، ومتعلماً، ومعلماً يصل الرحم، ويسعى في حاجة الناس، ويلقاهم بوجه طلق. يجتهد ما وسعه الاجتهاد، لفض المنازعات، ونصرة المظلوم.
رحيل معالي الشيخ أبي عبدالله ترك فراغاً، كان قد ملئ بسيرة عطرة وابتسامات عذبة، وأُلْفَةٍ، لا جفوة فيها.
عرفته منذ أن كان مدرساً في (مدارس الرياض) حيث رحل من القصيم في مطلع شبابه لطلب العلم، والعمل.
وبعد إكمال دراسته الجامعية في كلية الشريعة، تحول من التعليم إلى القضاء، في (ديوان المظالم)، ثم أصبح بأمر سام رئيساً له، ثم متقاعداً نذر نفسه لقضاء الحاجات، وحضور المناسبات العامة. يجيب دعوة الداعي، ويتحامل على نفسه، وراحته ليسعد الآخرين.
يهنئ في المناسبات السعيدة، ويتضرع لمن مسهم الضر، ويواسي المصابين، ويكثر سواد معارفه، وأصدقائه بتودده.
إنه من الذين يألفون، ويؤلفون. أعطاه الله علماً، وحلماً، ولين جانب، وحظوة عند كبار المسؤولين، ومسؤولية.
وما زاده ذلك إلا تواضعاً، وبسطة في الابتسام، ورحابة في الصدر، وطلاقة في الوجه، وحسن منادمة.
مارس التعليم، وأسهم في صناعة الرجال، ومارس القضاء، وقام بإصلاح ذات البين.
ثم توج عمله الحكومي في رئاسة (ديوان المظالم) فأضاف له من خصاله الحميدة ما وطأ أكنافه، وخفف من صرامته.
وخرج محمود السجايا، ليكون بيته مثابة لأصحاب الحاجات، يبذل لهم من ماله، وجاهه، وجهده ما يسهل أمورهم، ويفرج كربهم.
لا نزكيه على الله، ولكننا شهود الله في أرضه، وما شهدنا إلا بما علمنا، غفر الله له مالا نعلم، وجعله خيراً مما نعلم، وشمله برحمته التي وسعت كل شيء.
رحمك الله أبا عبدالله، كل ما لقيتك زدتَ في نفسي رفعة، وزاد ترحيبك بي، وتكررت دعوتك لي.
وما أسفت على شيء أسفي على عدم إجابتي لدعوتك، إذ لم أكن أتوقع المفارقة المبكرة.
وما دخلت في مناسبة لعلية القوم، إلا أيقنت أنك في صدر مجالسهم، يقصدك الداخلون، ليحيوك تحية العارف المحب. وما وقفت على (جَدَثَ فقيد) إلا ولمحتك تأسو، وتواسي، وتتوجع، وتدعو.
إنها الأخلاق الفاضلة، التي عرفتها بأبيك رحمه الله. كواحد من وجهاء المنطقة فمن أخلاقها تغذيت، وعليها تربيت، وبحللها اكتسيت، حتى كثر محبوك.
فلتهنأ بلحدك، تؤنسك أعمالك الصالحة، ويظللك إحسانك الجميل، وتحفك دعوات محبيك.
لقد كنت طلق المحيا، عذب الحديث، تتمثل المحامد فيما تحمله من دماثة الخلق، وجم التواضع.
يقول أخوك المفجوع (أبو بشار) ما يعد من جوامع الكلم من أخلاقك: (كل من زامل الفقيد، أو تعلم على يديه، أو كان تحت إدارته، أو تعرف عليه، أو صاحبه، ورافقه في رحلة الحياة، لن يكون حديثه عنه إلا في حدود تميزه بالتواضع، والخلق، وحسن المنطق، واحترام الآخرين. حيث لا تسمع منه إلا الكلمة الطيبة).
نعم هكذا كنت، وبتلك السجايا عرفناك. فلك منا الدعاء الصادق بالرحمة والعفو، والمغفرة. وستظل حياً بأسرتك، وسيرتك، وأنجالك.
عزاؤنا لإخوانك، وأخواتك، وأبنائك، وبناتك، وكل محبيك.