فهد بن جليد
تحدثتُ -بالأمس- عن الإقبال المتوقّع على اقتناء الإصدارات في معرض الرياض الدولي للكتاب, وعودة الشباب «للمعرفة الورقية» بالتوازي مع «المعرفة التقنية» أو الإلكترونية, وشبهتُ ذلك بما حدث في الستينات من ازدهار موضة تزيين صوالين ومجالس الاستقبال والمكاتب «بالكُتب والمُجلدات «كناية عن مدى الثقافة, وهذا يجب ألاَّ يُنسينا أيضاً أنَّ النُسخ السابقة من معرض الرياض احتوت على تجارب رقمية وتقنية مُمَّيزة لإصدارات ناجحة, مزجت فيها بعض منصات دور النشر بين الورقي والرقمي, حيث طوَّرت فكرة تصفح الورق بإضافة خدمات وميزات خاصة لبعض التقنيات المُتفاعلة مع البرامج والتطبيقات الحديثة, أكثر من مُجرَّد إعادة النشر والمحتوى إلكترونياً.
عند الحديث عن الورق لا بد أن تكون الصحف والمجلات في الواجهة, وهذا الحديث لا يخلو من شجون وأحزان, وحتى نكون مُنصفين حقاً في هذه المسألة علينا أن نُفكر خارج الصندوق ونستبق ما سيحدث في العالم العربي - بما يجري حالياً في عوالم المعرفة من حولنا - على الأقل تماشياً مع قاعدة ونظرية - تدفق المعلومات والتأثير من الشمال إلى الجنوب - هذه المرة لن نذهب إلى الصحف والمجلات الأمريكية ولا البريطانية التي أعلنت أعرقها تقليص عدد الطبعات, بل وتبني مشروع التحول الرقمي وتقديم خدمات إلكترونية, بل سنذهب إلى الساحة الفرنسية التقليدية وتحديداً ما أعلنته هذا الأسبوع صحيفة « لوفيغارو» من أنَّ مبيعات واشتراكات صحف مثل «لوموند، ليبراسيون، ليكيب، ليزكيو « انتعشت في يناير 2018م مُحققة قفزات لافته ومُثيرة بفضل إدخال تعديلات رقمية جديدة على مواقعها الإلكترونية, أكثر من تلك التي يجدها المُتصفحون على أكشاك الورق, مُستفيدة من ولاء المُتلقين «القراء» وهو ما أنعش النسخ الإلكترونية وزاد من مبيعاتها واشتراكاتها في المقام الأول, إضافة لإدخال تقنيات وخدمات جديدة تجعلها «الخيار الأول» للمُتصفح, وتبقيه في هذه المواقع أطول وقت ممُكن.
هنا أذكر أمراً مُشابهاً يُحسب لصحيفة الجزيرة بأنَّها كانت سباقة في العالم العربي, وصاحبة الريادة بجمع أطياف متنوعة من المُثقفين وصنّاع المحتوى والمُتعاملين في حفلها السنوي «الجزيرة .. دوماً معاً» لتبادل الخبرات والآراء حول المُنتجات الإلكترونية، التي تُلبي مُتطلبات المرحلة للمُتلقي العربي, وهي قفزة تقنية كبيرة ونواة لتحول مُستقبلي رقمي آمن.
التطور التقني والرقمي القادم «للمعرفة» مُذهل وغير مُتوقع, وهو كما قال سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان «يُشكِّل فُرصاً وليست مخاطر», المشهد مُستقبلاً ربما عانت فيه التقنية الرقمية بشكلها التقليدي الحالي، ممَّا يعانيه «الورق» تماماً، أمام تطورات مُقبلة لعلوم الروبوتات والذكاء الاصطناعي والتعلّم الآلي والهندسة الحيوية، ما يجعل المعرفة «كائن حي» نتعامل ونتحاور معه, ونعيش أدق تفاصيله, بعيداً عن قضية الاطلاع والتصفح التي نختلف حول شكلها اليوم.
وعلى دروب الخير نلتقي.