ياسر صالح البهيجان
عندما كنّا صغارًا ننطلق عصرًا إلى الأرض الفضاء المجاورة لمنزلنا لممارسة كرة القدم، ولكن ذهابنا إليها لا يعني أننا سنلمس الكرة، لأننا لسنا من يحدد ذلك القرار.
كنّا نخضع لعملية تقييم تعسفية يجريها لنا صاحب الكرة الذي يتمتع بصلاحيات مطلقة لتحديد من سيركل كرته، والتقييم حينها لم يكن نزيهًا، وإنما يبنى على مواقفك الشخصية مع من جلب الكرة إلى الملعب، وما إن نمثل أمامه حتى تنطلق ألسنتنا بتذكيره بالمواقف الإيجابية لعلها تنسيه موقفًا سلبيًا جرى بيننا ذات يوم، ونتوسل إلى الله أن تغيب عن ذاكرته تلك الحادثة السيئة التي قد تصبح سببًا في حرماننا من اللعب.
عندما كبرنا واتجهنا إلى سوق العمل ظهر مجددًا صاحب الكرة ولكن بثوب آخر بثوب مسؤول التوظيف، حيث المواقف الشخصية تعاود الإطلالة برأسها ثانية، وكما أن مهاراتنا الكروية لم تشفع لنا مرارًا في لعب الكرة، فإن مؤهلاتنا وخبراتنا هي الأخرى لن تخدمنا، ولا ينفع حينها إلا المعارف والوساطات، وبها يجري اختيار الأقل كفاءة وقدرة على المنافسة لأن اتصالاً أتى خلف الظل حسم الموقف وحدد من سيلعب الكرة داخل سوق العمل.
كنت أرى عدد الفتيان المتكدسين بالقرب من الملعب وهم يبتهلون إلى الله لكي يصاب أحد اللاعبين ويستبدلونه بأحد منهم، لأن فرصة اللعب بين من هم خارج الملعب متكافئة، والحاجة لإكمال اللعبة هي من يحتم على صاحب الكرة التغاضي عن تطبيق معياره غير النزيه في الاختيار.
وفي سوق العمل يبدو الأمر كذلك، إن لم يُجبر مسؤول التوظيف على التوطين واختيار الأكفأ لتسيير مهام عمله فإنه لن يتجه إلى ذلك القرار بمفرده إطلاقاً، والعاطلون لطالما دعوا الله أن يخرج من سوق العمل من حرموهم فرصة التوظيف في وطنهم، وقد استجيبت دعوتهم بإذن الله منذ أن اتخذت قيادتنا القرارات الحازمة في مسألة توطين الوظائف وتقليص الاعتماد على العمالة الوافدة.
عندما غاب النظام عن ملعب الحارة حضر التعسف وتغليب المصالح الشخصية، حينها تعلمنا بأن أي ميدان لا يخضع لأنظمة صارمة ومراقبة دقيقة لا بد أن يستشري الفساد فيه، وستخسر اللعبة اللاعبين المهرة القادرين على تحقيق الأهداف.