د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** أشار الشيخ محمد بن ناصر العبودي إلى زيارة الشيخ عبدالله بن سليمان الحمدان - الوزيرِ الأكثرِ شهرةً في تأريخ الوطن - إلى مدينة «بريدة» ومروره بالسوق في طريقه إلى بيت أسرة «الرِّبدي» الكريمة، وكيف أوقف أصحاب المحلات التجارية أعمالهم ليروا «ابن سليمان» ويتأملوا في شكله ويتحدثوا عن شخصه، كما روى موقفًا خاصًا له مع « الوزير» حين ذهب إليه في قصره بمدينة جدة - بعدما ترك الوزارة - ليهديه نسخةً من كتابه الأول: « الأمثال العامية في نجد «، وكانت لابن سليمان جلسة «عصريةٌ» وقال إنه لم يلقَ عنده أحدًا ذلك اليوم.
** وفي لقطتين متضادتين لوزيرٍ معاصرٍ ذي حضور مشابه كان الأكثرون يصطفُّون لاستقباله ويسعدون بلفتة منه، وشوهد - بعد أشهر من إعفائه - وهو يغادر مناسبةً رسميةً وحيدًا، ونُقل عن شخصيةٍ أخرى لا يجد مرتادو مجلسها مقعدًا وقتَ ملئه سمعَ المستفيدين وبصرهم وحين تضاءل الإمكانُ خلا المكان.
** ليس في الحكايات جديد؛ فكذا شأن الدنيا ودناياها؛ تعمرها المصالحُ والمسارح في عروضٍ ملأى بالسُّخْرة والسخرية؛ فالكبير يصغر والصغير يكبر ويتعادلان حين يعودان إلى حجميهما الحقيقيين دون تطفيفٍ أو تكثيف، ويرحلان فلا يجديهما « نوحُ باكٍ ولا ترنم شادي».
** ويجيء الفصل المكمل للمسرحية في أسلوب تعامل ذي الكرسي حين علا فتعالى والتبس شخصه بنصه وظن أنهما ملتصقان كما توأمٍ ليس لهما مأتم،وهو ما ينطبق على كل الأوساط سواءٌ أَرتقت منصبًا أم احتملت نصبًا ووصبًا، ومنها الوسط الثقافي الذي يُفترض في منتميه وجودُ رسالةٍ معرفية وأخلاقية تمنعهم من التهافت على الفتات، وتُوجههم نحو لين الجانب وعدم الاعتداد بالذات، غير أن الواقعَ يشي بخلاف هذا إلا من رحم نفسَه فرحمه ربُّه.
** وفي الضفة الأخرى صورٌ مضيئةٌ ترسم التواضعَ دون ضعة، والتميزَ من غير ضجيج، والخوف من الله بدءًا ومنتهى؛ يُعرفون بسيماهم من أثر العطاء بلا منّة والهدوء بلا استكانة والقرب بلا ابتذال فامتدَّ ذكرهم وتتجدد ذكراهم، وهو ما يحفز على إثارة استفهام: ألا يمكن تقديمُ دورات في السلوك الثقافي تقي من التورم والتبرم والاستعلاء والادعاء؟
** المشكلة لا تتصل بالكبار عمرًا وعطاءً؛ فربما شفع لهم ما قدّموه فتقدموا به مع عدم الإقرار لهم أو تبرير مواقفهم، لكن الوضع يتأزم عندما نرى صغيرًا تلقفته دور نشرٍ تجاريةٌ فأصدرت له مؤلفًا هزيلًا تخيله سمينًا واختال به،أو توفرت له وسائط رقمية ومرئية صنعت منه «نجمًا في السماء» وحقيقته «نجم نباتٍ لا ساق له».
** «نسي الطينُ ساعةً أنه طينٌ حقيرٌ فصال تيهًا وعربد»، وإذن فهي معامِلات «الحرية والتربية والوعي» تقي مصارعً التجبر ويتقي بها من شيمته التدبر.
** الدنيا دنوّ.