سعد بن عبدالقادر القويعي
غادرنا بهدوء بعد أن ملأ القلوب حكمةً، وعلماً، دون إحداث ضجيج إلا في ملامحنا البريئة، وخفايا صدورنا الهزيلة؛ ليمر في ذاكرتي شريط طويل يطوي ذاته، ومراحله لصاحب منهج كرس حياته؛ لخدمة العلم، والقضاء، وظل في عطائه إلى آخر لحظة من حياته، فكان عالماً ربانياً، ومفتياً نزيهاً، وفقيهاً مستنيراً، ومثالاً يحتذى به في العطاء، والإخلاص، وعلامة بارزة في تاريخ المؤسسة القضائية الإدارية العريقة، والمتفرّدة في قيمتها، ووزنها، وهذا هو حال من كان همه الإسلام، ونصرة أهله؛ حتى رحل إلى الآخرة، ولحق بربه.
هو المشهود له من بواكير شبابه، وانتمائه بفضائله المجردة، وأخلاقه، وأمله، ومبادئه السامية، وأهدافه المليئة بالقيم، واليقين، إذ كان مثالاً في التواضع، ودماثة الأخلاق، ونبراساً في قول كلمة الحق بحكمة الكبار، وهدوء العقلاء؛ فببصيرة العلماء ذاد عن حياض الشريعة الغراء، وجدّد قضاء إدارياً بتدفق علمي، وفقهي، وفكري؛ ليواجه ما يستجد من قضايا العصر، ومشكلاته، تحفه قدرات، وطاقات متميزة. كما كان - رحمه الله - صوتاً قوياً للوعي، والاستنارة، والسماحة؛ فأدان الله بعقيدته الصافية، وانتمائه لوطنه، وأيقن الثوابت، والهوية من عبث، أو ضياع.
بالموت نعترف بعجزنا، وضعفنا أمام قدرة، وعظمة الباري، ونقف خاشعين أمام رهبته، وجلاله. وفي وداع يوم رحيلك الجليل، تشيعك إلى مقبرة النسيم قلوب تلهج بالدعاء، وعيون تفيض بالابتهال، وأيد تدعو الله بما نشهد لك من صلاح، وتقوى، وورع، وترفع، وخلُق، وسيما مؤمن، ووسطية في الفكر، واعتدال في المنهج، وتيسير في الأحكام. ولا يسعني - وأنا أضع يدي عن شباة القلم - إلا أن أخاطبك أيها الشيخ الوقور، العارف بالله، وبقية السلف الصالح، بأننا سوف نفتقد صوتك الحنون، واستفساراتك التي تحمل الحكمة؛ والله أسأل أن يسكنك فسيح جناته، ويشملك بواسع رحمته، ويوسع لك في قبرك، وينزلك منازل العلماء العاملين، وأن يخلفك في عقبك في الغابرين، وأن يجعل الجنة مأواك في صحبة الأنبياء، والشهداء، والصالحين.