كلٌّ منا للموت ذائق، وقليلٌ منا من عمله واثق.
هذه مرثيتي بمن كان جميله نخلاً باسقًا، أفنى حياته في عمل الخير؛ فكان جوادًا باسقًا، وفي أدبه الجم حليمًا حاذقًا، وفي عمله ينبوعًا دافقًا.
رحم الله الوالد والعم والخال معالي الشيخ الجليل منصور بن حمد المالك - طيب الله ثراه، وأسكنه الفردوس الأعلى، ورعاه -.
بينَ البُكا جَهْرًا وبينَ تكتمي
حزنٌ يجولُ وبالمحاجرِ يرتمي
الدمعُ نهرٌ والعيونُ منابعٌ
والصَّدرُ جاشَ بأنةٍ وَتَحَمْحُمِ
والقلبُ أضناهُ الأسى وَتَحوَّلَت
سوداؤه حجرًا تقطعَ من دَمي
في الفجرِ جاءَ الخَطْبُ ينعى شَيخَنَا
وإذا بقُرصِ الشَّمسِ مَالَ ليظلمِ
والطَّيرُ حَلَّقَ تائهًا في غَدوِهِ
وتَحشْرجَت أنَّاتُه بالأنغمِ
والبحرُ هاجَت بالأسى أمواجُه
والأرضُ مادَت بل وكادت تضرم
بكتِ الثكالى والأراملُ فقدَه
وطغى السُّكونُ على وجوهِ الأيتمِ
ونعاهُ ديوانُ المظالمِ باكيًا
وبكاهُ محرابٌ وخلوةُ محرمِ
وبكتْه أروقةُ البيوتِ جميعُها
وبكته أدعيةُ الفقيرِ المعدَمِ
رَحَلَ الذي مَلَكَ القلوبَ بنُبْلِه
وَبِهِ تَسَامَى الطِّيبُ فوقَ الأنجمِ
رَحَلَ الذي في موتِه بكتِ الدُّنا
وتجهمت كلُّ الوجوهِ بمعتمِ
رحل الذي كلٌّ أحب حديثَه
جمُّ الصفاتِ وسمتُه كالميسمِ
رحل الذي إن قلتُ إنه كوكبٌ
فضياؤه بدرٌ بليلٍ أظلمِ
رحل الذي في وصلِهِ كَسَبَ الرضا
وبهاؤنا في ثغرِهِ المتبسِّمِ
لا لم يكن رجلٌ بمثلِ صِفاتِه
فهو الوجيه ابن الوجيهِ الأكرمِ
وهو العفيفُ هو الحليمُ بطبعِه
وهو الجليلُ بخلقِه المتهندمِ
هو للأناةِ رفيقُها ودَليلُهَا
وله وقارُ الشَّيخِ والمتزعمِ
هو للقضايا الشائكاتِ محنَّكٌ
ويروسها فتراه نبعَ الأحكمِ
هو للمجالسِ عُمْدةٌ وحليمها
ويكون للباغين حزمَ الملجمِ
أرثيه إيمانًا وأرجو سلوةً
والشعرُ ينطق بالمشاعر عن فمي
والموتُ حقٌّ والنفوسُ ودائعٌ
والكلُّ يجري للمَصيرِ المؤلمِ
رباه هذا الشيخُ واراه الثرى
فاخلفه بالفردوسِ حسنَ المغنمِ
أغدِقْ عليه من النعيمِ بقبرهِ
واجعله كالروضِ الظليلِ المحتمي
وارزقه من حوضِ النبي المصطفى
شربًا ومن فيضِ النعيمِ الأعظمِ
رباه هذا الشيخُ أفنى عُمرَهُ
شوقًا إلى لقياك ليتك ترحم
رباه أكرمْ شيخَنا وحبيبَنا
أسكنه في حسنى بقصرٍ مكرمِ
رباه ندعو لهفةً وتضرعاً
رفقًا بهذا الشيخ نارك تحرم
فإلى الجنانِ وبالنعيمِ مقامُه
وإلى جوارك هانئٌ بتنعمِ
والله ما مات الذي يحيا بنا
ونراه نبراسًا لكل الأنجمِ
جسدٌ توارى إنما هو ها هنا
باقٍ يعانقنا بروح الملهمِ
** **
- شعر د. سالم بن محمد المالك