«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
علاقة الإنسان بالعطور علاقة أزلية. وبدأ اهتمامه بها مع اكتشافه العفوي لما تبعثه الورود والزهور التي يعيش في محيطها روائحها الطيبة أو من خلال حرقه لبعض أغصان الأشجار ليعد له طعامه أو ليتدفأ بها ومن خلال تصاعد أدخنة هذه الأغصان بعد تعرضها للنار شعر بأن رائحة بعضها زكية وحتى منعشة فتوجه إلى حفظها وتكرار إشعالها ليستمتع برائحتها الطيّبة ومع تطور الحياة استطاع أن يتجه لتقطير أنواع من الورود والزهور وحتى بعض أنواع الأشجار كما فعلت شعوب عديدة في الحضارات القديمة. الصينية والفرعونية والآشورية والبابلية واليونانية وحتى الهندية وما حولها من من شعوب. ولقد أبدعت الحضارة الإسلامية في التفنن في صناعة العطور فازدهرت خلال عهود الخلافة الإسلامية.. فكان الطيب والتعطر بالعطور ودهن الورد سمة من سمات هذه الحضارة التي أبدعت في مجالات الطب والعلوم والابتكار.. وعلى مر الأيام باتت صناعة وتجارة العطور تدر على الدول المنتجة مليارات الدولارات سنوياً. وباتت صناعة وتجارة العطور في مختلف الدول من أنواع الصناعة والتجارة الناجحة فاشتهرت بالتالي بيوتات عديدة في الدول العربية والخليجية والإسلامية كونها تخصصت في هذا المجال المفيد والمربح.. وإطلالتنا اليوم ليست عن صناعة وتجارة العطور. إنما تعقيباً على خبر متداول ونشر في الصحافة العالمية نتيجة لدراسة تطرقت إلى أضرار المواد الكيماوية اليومية، بما فيها منتجات التنظيف والعطور والدهانات، حيث إنها تساهم في تلوّث الهواء أكثر من عوادم السيارات. هذه الدراسة جاءت نتيجة لما تطرق إليه فريق بحث علمي من العلماء الأميركيين وحسب موقع صحيفة «ديلي ميل» البريطانية، أوضح الباحثون من جامعة نيويورك أنّ الجُسيمات الصغيرة الموجودة في العطور تضرّ الدماغ، وتسبّب الصداع، وترفع خطر الإصابة بسرطان الجلد، وتُلحق الأذى بصحّة الأجنّة. وأظهرت الدراسة أنّ منتجات التنظيف والعطور ومزيلات العرق، تلوّثَ الهواء الآن بنسبة تصل إلى 50 في المئة، حيث إنها تحتوي على مواد كيماوية ضارة. وتضيف الدراسة إلى أن القوانين التي تحمي الأسرار التجارية، فإنّ الشركات المصنِّعة للعطور ليست ملزمة للكشف عن جميع مكوّناتها، لكنّ الأبحاث تشير باستمرار إلى أنّ نحو 30 في المئة من الأشخاص يتعرّضون لمشكلات صحّية ويتأثرون سلباً بالعطر.
وكانت «الجزيرة» ومن خلال «إطلالة» سابقة أعدها كاتب السطور والمنشورة في يوم الخميس 4 يناير 2018م حيث جاء من ضمن المادة المنشورة: (إن أحد الأزواج قد تقدم لإحدى المحاكم العربية بالانفصال عن زوجته لأنها رفضت تغيير أحمر الشفاه الذي كان يسبب له الحساسية) ومن هنا نجد صحة ما أظهرته الدراسة الاستقصائية التي أجريت عام 2016، أنّ نحو 35 في المئة من الناس أبلغوا عن مشكلات صحية كالصعوبات التنفّسية والصداع عندما يتعرّضون للعطر. هذا وكثير من العطور قد تتسبب في مشكلات صحية لا يمكن التخلص أو الشفاء منها إلا بالابتعاد عن «العطور» التي قد تؤدي إلى هذا المشكلات الصحية.. وتجدر الإشارة إلى أن الإنسان قادر على تمييز مئات الأنواع المختلفة من العطور. ولكن يبقى «الكلب» أعزكم الله الأقدر والأكثر تمييزا في معرفة أنواع العطور وما خفي من أشياء يراد اكتشافها من خلال أنفه «البوليسي» الخطير.. وماذا بعد السؤال الذي يطرح نفسه في نهاية هذه «الإطلالة» هي ما أكثر الدراسات التي تخيفنا. وحتى تبعدنا عن أشياء نحبها وتعودنا عليها وبالتالي لا نستطيع الابتعاد عنها أو عدم استعمالها. وتأتي دراسات جديدة تقوض ما سبقها من دراسات.