فهد بن جليد
لا أتوقع أنَّ المشهد سيتغيّر كثيراً في النسخة الجديدة من معرض الرياض الدولي للكتاب الذي سينطلق اليوم الأربعاء، فالسواد الأعظم - المُتوقع - من الزوار هم من «فئة الشباب» عطفاً على تجربة السنوات الماضية، والمُحتفى به دوماً هو «الكتاب الورقي « ودور النشر في مُفارقة عجيبة لما يتردَّد على ألسنة هؤلاء الشباب في أروقتهم الثقافية، ومُساجلاتهم ومناقشاتهم الإلكترونية عبر وسائل ووسائط التواصل حول «موت الورق» وإحالته إلى التقاعد, لصالح النشر الإلكتروني، فلماذا يقصد هؤلاء معرض الكتاب؟ ولماذا يحرصون على اقتناء الكُتب والمراجع؟ رغم ولَعهم وتعلقهم المُستمر بالبدائل التقنية والتخزينية الإلكترونية وقدراتها وميزاتها الفائقة.
برأيي أنَّ هناك «فلسفة ما» تحكم الموقف، وتدفع هؤلاء نحو اقتناء بعض الكتاب والروايات والقصص الورقية, بحثاً عن المُتعة في المقام الأول بالاطلاع الكلاسيكي، والشعور بالرضاء النفسي، والمصداقية في «لمس الورق» وتصفحه وحمله في الواقع، وربما تخزينه وصفه «كبريستيج» في مكان ظاهر حتى يبدو للعيان مصدراً حقيقياً وعنواناً راسخاً وأصيلاً للمعرفة، وهو ما يُعيدنا لموضة الستينات الميلادية عندما كان حمل الكتاب جزءاً من «الإتيكيت» والرُّقي والفهم، إلاَّ أنَّ ما يحدث اليوم بمثابة - اعتراف ضمني - بأنَّ التقنية خادعة, وغير مُنضبطة في نهاية المطاف، ولا تمنح الثقة الكافية في حقيقية ثقافة من يمتلكها, وحجم معرفته واستيعابه لما يقول ويردد, وذلك لسهولة البحث فيها عن أي مُصطلح والتعلّق بالقشور لا القيمة المعرفية, عند استخراجها « كمعلومة جافة» فقط، ربما ردَّدها جاهل ومُتعالم، كتركيب لفظي خاو من الإدراك والفهم، فمن يُنمِّي معلوماته بالطريق الإلكتروني فقط، سيدفع حتماً ثمن التشويش المعرفي الذي يتعرض له، بإجهاد نفسه وذاكرته بالاستعراض السريع لكل هذا الكم الهائل من المعلومات التي لا يحتاجها في وقت قصير، وبما لا يتناسب مع قدرة وعقل وذاكرة الإنسان الطبيعي على الاستيعاب والفهم والتمعن, بالتدفق المُنسجم عند الحصول على المعلومة الراسخة ببطء وتبصّر عبر الكُتب والمراجع المقروءة والملموسة.
أرجو ألا يُفهم ممَّا سبق التقليل من إمكانات التقنية وأهميتها، فهي المُستقبل وروح العصر، وفضلها كبير على العلم كجزء منه, في سهوله البحث عن المعلومة وتوثيقها وسرعة استرجاعها والاستشهاد أو الاستدلال بها، إلا أنَّ مشَاهد العودة بالإقبال على « المعرفة الورقية» بشغف واهتمام في مثل هذه المناسبات لها دلالتها الواضحة التي تلفت الانتباه، وتعني الكثير.
وعلى دروب الخير نلتقي.