د. محمد عبدالله العوين
هل يشعر أحد من أبناء جيلي بشيء ولو قليل من الغربة النفسية والثقافية والفنية عن أبناء هذا الجيل الذي يناهز العشرين؟!
أعترف راضيا وغير مكره أنني أشعر بغربة نفسية تجاه ما يبدو عليه كثيرون من شبابنا وفتياننا ممن يناهزون العشرين عاما وما بعدها بسنوات قليلة.
يتحدث كثيرون منهم اليوم بلغة غير تلك اللغة التي تلقينا دروسها الأولى في المرحلة الابتدائية ثم تشربنا قواعدها وجمال بلاغتها ودلالاتها البيانية حين تقدمت بنا المراحل الدراسية في الثانوية والجامعة.
واجهت جهلا مطبقا عند كثيرين منهم بقواعد لغتنا العظيمة، حتى إن بعضهم لا يعرف معنى كلمة «إعراب» ولا يعلم شيئا عن الشعر أو الأدب أو الروايات أو البلاغة أو التجويد أو الإملاء أو أساليب الكتابة المختلفة؛ مقالة أو خاطرة أو قصة، ولم يقرأ شعرا عربيا قديما أو حديثا، ولم يسمع يوما في درس أو محاضرة عن اسم أديب أو مفكر في تراثنا العربي القديم أو في عصر النهضة الحديثة، ولا يحضر في أذهان كثيرين منهم حدث سياسي عربي أو عالمي بتفاصيله وملابساته من خلال قراءة خاصة أو متابعة إعلامية، فيجهلون أسماء الساسة والقادة والبلدان والأحداث الكبرى التي غيرت مسار الحياة في العالم.
ولست أدري كيف أعلل أو أحلل ظاهرة فقدان الشغف باكتشاف المجهول من المعارف في كل جوانب الحياة مع توافر وسائط الوصول إلى المعلومة في هذا العصر المذهل !
الشيء الوحيد الذي أطمئن إليه وأعزي به نفسي حين أرى الهوة واسعة وعميقة بين جيلي والشبان اليافعين من أبناء هذا الجيل أنني ومن هم في سني تكوننا في مرحلة سياسية وثقافية واجتماعية مختلفة كل الاختلاف عما نعيشه اليوم ونتلقى من خلاله المعلومات والمعارف والفنون والأخبار وأسلوب تناول الأحداث المختلفة التي تعصف بالعالم.
جيل اليوم جيل اللحظة العابرة المتدفقة بوسائل مختلفة من أدوات التواصل بأسلوب العناوين السريعة التي تدفع عبر منافذها العديدة عشرات الآلاف من المعلومات السريعة كالبرق الوامض ويعجز جيل اليوم عن التوقف عند تفاصيلها الدقيقة، وتتكون ثقافة عناوين لهذه المعلومات المبتسرة المتدفقة الهادرة متبوعة بسطرين أو ثلاثة من الشروح تحتها.
لا طاقة عند كثيرين من أبناء اليوم لاستماع طويل لأغنية تمتد ساعة أو أكثر، قد يستمعون ويتفاعلون مع أغنية قفازة نقازة أشبه ما تكون بالاستعراض الرياضي أو بألعاب السيرك، وقد يشتد تفاعلهم حين تكون المغنية فتاة تتمايل وتتكسر وتتغنج وتستعرض مفاتنها باسم التفاعل مع الإيقاع والنغم.
لا طاقة عند كثيرين منهم لقراءة رواية طويلة، أو محاضرة علمية طويلة جادة، أو احتمال كتابة بحث طويل معمق يكلفون به من أستاذتهم في الجامعة، فالنغمة السائدة بين كثيرين منهم التخفيف التخفيف.
جيل اليوم مشغول بمتعة ألعاب الكترونية أو بشيء لا يعلمه، مشدود طوال الوقت إلى تواصل لا يكاد ينقطع مع من يعرف ومن لا يعرف من شخصيات افتراضية مغيبة في عالم الإنترنت الواسع الممتد إلى أقصى نقطة في هذا العالم. يتبع