مع إتمام عامه الـ»32»، بات المهرجان الوطني للتراث والثقافة بـ»الجنادرية» شاباً يافعاً يُشار إليه بالبنان، واتضحت معالمه واكتمل بناؤه، وأصبح حاضراً بقوة ونضج، والمراقب للمهرجان سنوياً يدرك بلا أدنى شك الجهود الجبارة والمشاق العديدة التي يتحملها القائمون على تنظيمه سنوياً من أجل إبراز أصالة التراث وثقافة المجتمع السعودي وطابعه المميز من خلال ما يقدمه المهرجان من نشاطات فريدة ومتنوعة، تلك الجهود انعكست على كافة المهرجانات السابقة، مما يتطلب استثمار هذا النجاح والنضج، بما يتواكب مع شبابه، وما يحيط به من متغيرات ومستجدات.
أولها: أهداف المهرجان وفي مقدمتها أنه حلقة اتصال مهمة تربط جيل الحاضر بما خلّفه الأجداد من تراث هائل يعد مصدر فخر واعتزاز.
ومن هنا جاءت فكرة المهرجان الوطني للتراث والثقافة لتعبّر عن ذات المواطن السعودي وشخصيته المتميزة، وتنبش في أصالة ذلك الإنسان وعراقته وتاريخه، وتقدمه للجيل المعاصر في صورته الحقيقية المشرفة، ليستلهم من سجل الماضي الحافل قوة الآباء وصلابة الأجداد في التغلب على التحديات مهما عظم شأنها، ويستنهض بها الهمم في سبيل صياغة أسس التطور والارتقاء بالأوطان في كافة المجالات والميادين.
بمعنى آخر: الرسالة موجهة إلى الشباب، والسؤال الجدير بالطرح والاهتمام هو: لماذا يقتصر دورهم على الحضور والمشاهدة فقط؟ ولماذا لا تتم مشاركتهم في لجنة المشورة المسؤولة عن تطوير المهرجان؟ ولماذا لا تتم مشاركتهم في كافة النشاطات والفعاليات؟
إن المشاركة الفعلية للشباب، وبأداء متقن ومنظم، تكون أكثر تعبيراً وتأثيراً وترسيخاً لمخاطبة هذه القاعدة العريضة في جيلهم، لأجل تحقيق كثير من الأهداف، وفي مقدمتها تنمية الوعي بالانتماء الثقافي والتراثي والحضاري.
والمشاركة في صياغة الأفكار وتصميم البرامج والعروض والفعاليات غير التقليدية تناسب أهداف البرنامج، وتلبي رغباتهم وتحقق تطلعات الجميع، ولتحقيق هذا الهدف الإيجابي، لا بد من مشاركتهم الفعلية بعيداً الديباجة المعهودة في التعليم منذ الصغر (انقل على السبورة، احفظ، اربط حزام الأمان، شاهد وأنت ساكت.. إلخ).
كلها أوامر ويبدأ الأطفال والشباب بتنفيذها دون إدراك أو وعي أو شعور، ويستمر الوضع على ما هو عليه، وتتعاقب أجيالنا وهي تعاني من النقص الحاد من فيتامين «الحس الوطني»، لتكون المحصلة النهائية نقل ما على السبورة، والمشاهدة بلا شعور!
ولذلك فنحن أحوج ما نكون إلى ترسيخ الوطنية عند أطفالنا كوعي سلوكي، وليس إنشائياً، على أن يكون ذلك منذ الصغر، لأن ترسيخها في مرحلة سنية مبكرة وتنشئة الطفل عليها يجعلانها عنصراً مكوناً في بناء الشخصية.
ثانياً: أن الفكر يشيخ والأطروحات تشيخ، لذلك بات من الضروري تجديد دماء «لجان المهرجان» بأعضاء جدد، وتحديداً من فئة الشباب، بهدف تعزيز الجوانب الوطنية والمعنوية، وغرس روح الشعور بالمسؤولية لديهم، ونشر ثقافة التميز والإبداع، وتشجيع المبدعين واستثمار طاقاتهم ومهاراتهم الإبداعية في رسم لوحة زاهية تمازج فيها علاقة الماضي مع منجزات الحاضر دون تناقض، وتجسد فيها الأصالة والمعاصرة في أسمى صورها ومعانيها، بما يُعزز الروح الإيجابية لدى الشباب التي تجعلهم أكثر تفاعلاً وأملاً في الحاضر وفي قادم الأيام.
ثالثاً: كيف يمكن استثمار هذا المهرجان بما يتواكب مع الميلاد الجديد الذي تعيشه صناعة السياحة السعودية؟
بمعنى، ضرورة تحويل أو تطوير المهرجان، ليصبح منتجاً سياحياً يتصدر الأنشطة السياحية السعودية، ويقدم كعنصر جذب للسياحة الخارجية والداخلية، وتتاح من خلاله الفرصة للجاليات والضيوف القادمين إلى المهرجان للتعايش مع عادات وتقاليد وتراث المملكة.
رابعاً: لا بد من إعادة دراسة توقيت إقامة المهرجان بما يتناسب مع ظروف الجمهور المستهدف.. والسؤال لماذا لا يقام هذا الحدث الضخم في عطلة الربيع، خصوصاً أن المناخ يكون مناسباً، والأسر تكون في أمس الحاجة إلى نشاطات أو فعاليات جاذبة؟
أخيراً.. إن شاباً في 32 من عمره لا بد أن يبحث عن التجديد في مظهره، حتى وإن كان متمسكاً بعاداته وتراثه.