تميز أهل الإسلام والعرب عمومًا بل أهل الحضارات من غير أهل الإسلام على مر التاريخ بالنجدة وإغاثة الملهوف وإسعاف المستجير.
يقول الأستاذ شوقي ضيف «كان العرب يتمدحون بإغاثة الملهوف، وحماية الضعيف» (تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي).
وإغاثة الملهوف من شيم ذوي المروءة والشهامة حتى في الأمم الأخرى من غير أهل الإسلام والملة.
قيل جلس الأسكندر المقدوني - أحد ملوك الإغريق - يومًا مجلسًا عامًا، فلم يسأل حاجة!
فقال لجلسائه، والله ما أعد هذا اليوم من أيام عمري في ملكي!
قيل ولم أيها الملك، دامت لك السعادة؟ قال: «لأن الملك لا يوجد التلذذ بها إلا بالجود للسائل، وإلا بإغاثة الملهوف، وإلا بمكافأة المحسن، وإلا بإنالة الطالب وإسعاف الراغب».
ومن ذلك يتبين لنا ما قالته أمنا خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها وأرضاها - في بدء نزول الوحي على نبينا عليه الصلاة والسلام حين رأى جبريل عليه السلام على هيأته التي خلقه الله عليها فرجع لها خائفاً يرتجف، فقالت له تهدئ من روعه «كلا والله لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق».
وقد رسخ الإسلام ذلك في أتباعه من خلال الشرائع والأخلاق التي تحث على هذه المبادئ وتبينها وتبين الأجور المترتبة على عملها والقيام بها.
مثل قول الله {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (261) سورة البقرة.
ومثل قول رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام «ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، فينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، فينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة» (الصحيحين).
بل المسلم مطلوب منه رفع الأذى عن كل من حوله حتى الحيوانات الأعاجم إذا قدر عليه، سواء كان هذا الأذى ناشئًا عن ظلم إنسان له أو أسباب طبيعية أخرى كالزلازل والفياضانات أو كأن يصيبه العطش أو غيره من ألوان الأذى فكيف بالإنسان!
وهكذا درج أهل الإسلام عبر تاريخهم الطويل النير الناصع الأبيض المشرق على المسابقة والمسارعة والمنافسة بل كان أحد أهم أسباب انتشار الإسلام في أنحاء المعمورة - ولله الحمد - والدلائل على ذلك كثيرة.
واليوم تبذل دول الإسلام وفق تلك التوجيهات والتوجهات خاصة بلداننا الخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ودولة الكويت الشقيقة في كل اتجاه من وجوه الخير والبر والإحسان حتى أصبح لهما نصيب الأسد فيما يختص بالعمل الخيري الإنساني.
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم
فلكم استعبد الإنسان إحسان
فأينما حدثت كارثة أو وقع زلزال أو فيضان أو مجاعة أو كارثة رأيت مملكة الإنسانية وكويت العطاء يتسابقان لإغاثة أولئك القوم دون تمييز بين دين أو عرق أو لون أو فئة.
وقد ترسخ هذا المبدأ - ولله الحمد - لدى شعوب المنطقة وفق قواعد الدين وما تقتضيه المصالح الأممية تحت منظومة الأمم المتحدة خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
فبعد ذلك التاريخ أصيب العمل الخيري في مقتل لولا لطف الله ثم مسارعة المملكة العربية السعودية وأشقائها من خلال دبلوماسيات راقية وقنوات أممية واضحة تعمل على إيضاح الصورة الحقيقية الناصعة المشرفة للعمل الخيري الإسلامي.
وبذلك استطاعت المملكة العربية السعودية وشقيقاتها في منظمة العمل الإسلامي وعلى رأسهم الكويت الشقيقة من إبعاد تهمة الإرهاب وتمويله عن المنظمات والهيئات التابعة للدول الإسلامية.
واستطاعت وبكل جدارة من إخراج العمل الخيري الإسلامي من عنق الزجاجة وموقع التهم التي ألصقت بالعمل الخيري الإسلامي بشقيه الحكومي والأهلي المجتمعي، كجمعيات النفع العام والمبرات الخيرية بل والمبادرات الفردية الشخصية، وهي لا تحصى عددًا وكثرة وتنوعًا وفي جميع المجالات، تنم عن مجتمعات محافظة وأقوام يرجون الله والدار الآخرة.
فنظمت العمل الخيري وقننته وراقبته تحت مبدأ (من أين اكتسبه وفيما أنفقه)، وتحت مظلاتها الحكومية النظامية وإشراف من حكومات تلك البلدان المباشرة بل وبإشراف أممي اتسم بالوضوح والشفافية.
واليوم - ولله الحمد - أضحت بلداننا الخليجية منارات يستضاء بها في هذه المجالات الإنسانية الراقية والرائعة، فالمملكة العربية السعودية ودولة الكويت تحديدًا أياديهما البيضاء وأعمالهم الخيرية تسابق الكوارث بدءًا من كارثة العرب والمسلمين إلى زلازل باكستان وفيضانات الهند وبنجلاديش وجفاف أفريقيا والصومال تحديدًا، بل حتى بلدان أوروبا وما تتعرض وتعرضت له دولنا العربية في ما يسمى (بالخريف العربي) الذي جر على الأمة الويلات والمصائب والمحن، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
في العراق وسوريا ولبنان واليوم مركز الملك سلمان لإغاثة الشعب اليمني يلعب دورًا محوريًا رئيسًا رائعًا في ذلك. وحسنًا فعل سمو الشيخ ثامر جابر الأحمد الصباح (بوجابر) - سلمه الله - سفير دولة الكويت في الرياض من إبراز العمل العمل الخيري الكويتي السعودي في الاحتفال السنوي لسفارة الكويت في يوميها الوطني ويوم التحرير تحت عنوان (مسيرة العمل الخيري الكويتي السعودي في يوم الأربعاء الموافق 21-2-2018م).
لقد أثبتنا للعالم أن دولنا لم تستأثر بخيراتها لأنفسها فقط ولم تنس أشقاءها وإخوانها بل فقراء العالم والمحتاجين للمساعدة.
فنحن - ولله الحمد - رواد العمل الخيري والمؤطرون له والقائمون به وقادتنا قادة للعمل الإنساني والخيري.
بل إن أعمالنا الدعوية والخيرية تتسم بالمسابقة والشفافية والوضوح بلا من ولا أذى، تحت رقابة صارمة مشددة، بعيدة عن التطرف والتشدد واستغلال المواقف والحاجة، والفئوية، وفق منهج قويم تحكمه المبادئ الإسلامية العظيمة والنظم الدولية المتعارف عليها بين الدول. فهنيئًا لنا بهؤلاء القادة العظماء، الذين رزقوا بفكر مستنير، يسيرون بسفينتنا الدعوية والخيرية بهدوء وحسن تعاطٍ ليرسوا بها على بر الأمان.
** **
phsultan2013@hotmail.com