عبده الأسمري
أضاء درب الفن تشكيلاً بإمضاء الريشة والألوان.. واستضاء بموهبة فذة جعلت اسمه «مجسماً « في لوحة الوطن ووضعت سيرته «وسماً» في واحة العطاء الفني.. إنه الفنان ضياء عزيز أحد رواد الفن التشكيلي بالسعودية والخليج وأبرز الرسامين والتشكيليين الذين وظفوا الرسم كوسيلة رقي وأسلوب حياة وبارقة أمل وإشراقة روح وصوت شعوب.
بوجه حجازي تتقاطر منه علامات «الموهبة» وفروق «الهبة» ومحيا تسكنه علامات المشيب ووجه منسوخ من مطامح والده ممزوج بملامح أخواله وصوت ممتلئ باللهجة الجداوية العتيقة تتوارد منه مفردات أعجمية فنية وتتبادر فيه سمات الإرث الأدبي والتراث الفني، ظل ضياء أحد رموز الفن عقوداً كقامة وطنية سخرت الفن لخدمة قضايا الإنسان وبلورة مزايا المكان.
في قاهرة «المعز» وأثناء طفرة النضوج الثقافي ولد ضياء في بيئة ترتدي رداءً فضفاضاً من الأدب فنشأ طفلاً يرى الإبداع أينما ولى وجهه.. فوجه بوصلته معرفياً إلى مكتبة أبيه وعطر مسامعه خطابياً بإنتاج والدته فكان جائلاً في محيط مخملي من الاعتناء الأسري والاغناء المعرفي فارتسمت في ذهنه «خطوط الريشة» وتعانقت مع روحه «مخطوطات القلم» فظل يقرأ الوجوه في حيه المكتظ بالمفكرين ويستقرئ نهارات والده التي كانت تشع أدباً وتنبع طرباً في منظومة عيش فريد كانت بمثابة «أكاديمية» أسرية فريدة. انخطف ضياء إلى بذخ ثقافي مقيم أخرجه من التزامات «الأمنيات» فتجرد من الفروض وتفرد بالروض الممتلئ توجيهاً في حضرة والدين يمثلان اتجاهين للأدب والثقافة فعشق الفن وارتبط بإيحاءات «الزخارف» التي كانت ترسمها والدته «الإذاعية الشهيرة» أسماء زعزوع وترابط مع مشارب «المعارف» التي وضعها والده الأديب الكبير عزيز ضياء معيناً تشرب منه الذوق ومع مسارب «المعازف» فتعلم العود والكمان في الثامنة وغنى باكراً للأطفال في الإذاعة بإنتاج أسري من كلمات والده وطموحات أمه.
في عام 1380 هـ. بدأ ضياء الرحلة الفنية فانجذب إلى الرسامين العالميين تيتيان وجان أوغست دومينيك آنغر.. امتلك ضياء «رقة» عميقة دفعته إلى رسم لوحة (تحرير العبيد) سنة 1383 هـ بعد مرسوم ملكي أصدره جلالة الملك فيصل رحمه الله يقضي بإلغاء الرق، وأهداها إليه فكانت أولى بيارق الدعم التي عبر بها ميادين التميز لاحقاً. تلقى تعليمه الابتدائي في مدارس الثغر النموذجية بمدينة جدة ثم أكمل تعليمه الإعدادي والثانوي متنقلاً بين عدة مدارس بجدة والقاهرة وبوسطن وفي عام 1967 حصل على بعثة دراسية إلى أكاديمية الفنون الجميلة في روما تخرج منها في عام 1971.
بعد عودته عمل مدرساً للتربية الفنية بمدارس الثغر النموذجية حتى 1973. ثم أنشأ مؤسسة ماس لإنتاج الفنون الجميلة والتحق بعد ذلك بالخطوط السعودية وذلك في عام 1980 وحتى تقاعده منها عام 2004.
أقام ضياء عدة معارض شخصية كانت شاهدة على إبداعه وإمتاعه الفني وذائقته المبتكرة حيث أقام معرضه الشخصي الأول في فندق جدة بالاس بمدينة جدة في عام 1969. وأقام له المركز الثقافي الأمريكي معرضه الشخصي الثاني بمقر المركز في مدينة جدة عام 1972 وأقام معرضه الشخصي الثالث في عام 2005.
وشارك في عدة معارض محلية جماعية على المستوى المحلي في جدة والرياض ومدن أخرى وفي عدة معارض عالمية متخصصة في الفن الإسلامي والتشكيلي والعالمي في روما والكويت وباريس والأردن ولندن وغيرها. انجازات فنية كبرى وتصاميم عالمية نحتها ضياء باقتدار في تنمية الوطن من أهمها تصميم بوابة مكة المكرمة الشهيرة على طريق جدة ومكة ومجسم النادي الأهلي ومجسم «حلم الإنسان» ومجسم كأس الأمير سلطان بن عبد العزيز ومجسم (المسيرة) الذي واكب ذكرى المئوية عام 1999م ومجسم المملكة العربية السعودية الذي تم إهداؤه إلى بلدية مكسيكو سيتي.
نال ضياء عشرات الجوائز والميداليات والدبلومات داخلياً وخارجياً في مجال التصميم والفن التشكيلي والرسم والنحت.
مزج ضياء سيكولوجية الفن بالإنسان الذي كان عنوان «الريشة» وشكلت همومه «تنوع اللون « وكانت أحلامه «تقاطعات اللوحة» فتشكل المشهد التشكيلي كجاذبية روحية وتجاذب نفسي مارسه بتروحن مع الفكرة وتباهٍ مع الجودة وتماهٍ مع المنتج فخرجت أعماله كلحن بشري مفهوم ولغة واضحة المعالم دقيقة الرؤية فعانقت أحلام البسطاء وتعانقت مع أمنيات العامة واستأثرت بإشادات الخاصة.