عبد الله باخشوين
.. السياسة لم تعد حاجة.. لكنها استجابة. .؟!
ربما يكون هذا هو الشعار الذي تقول به المرحلة التي نمر بها.
لم تعد ((لغة تفكير)) بعد سقوط ((الأيدلوجيا)).
كانت السياسة ((الأيدلوجيا)) تدير الاقتصاد.. قبل أن تنهار ويستعيد ((الاقتصاد)) مكانته و يعود للواجهة الدولية.. كفعل أول.. حاسم ووحيد.. تتبعه سياسات الدول.. بممارسات ترسمها وتحسمها خطوط مصالحها الاقتصادية.
بدأ هذا مع نهاية ((الحرب العالمية الثانية)).. حين انفتح الغرب على المصالح الاقتصادية ونمو التبادلات التجارية.. وسعى ((السوفيات)) للجم النمو الاقتصادي وفتح كل الأبواب لـ((التنظير السياسي)).. وتعميم لغة ((الكلاشنكوف)) كأداة وحيدة لنضال الشعوب.. أما بعد اكتمال سقوط ((الماركسية)) الدولية.. فإن ((الشرق)) لم يجد لديه ما يعادل نهضة ((الغرب)) الصناعية والتقنية والفنية الكاسحة سوى مستودعات السلاح.. و((ملفات)) تقنياته التي تبحث عن أسواق موازية لسوق النهضة التقنية الغربية الكاسح.. ولم يكن لـ((سوق السلاح)) مواقع مناسبة وأسواق طبيعية سوى تلك التي سعى مد ((الماركسية)) لتأجيل البث فيه لأكثر من سبعين عاماً.. وأدى انهيار الاتحاد السوفياتي و الكتلة الشرقية.. لعودة الصراع العرقي و الديني المذهبي إلى ساحة أوربا الشرقية أولاً قبل أن ينتقل لأماكن كثيرة في العالم ومنها إلى الشرق الأوسط الذي وسعت إيران الصراع الديني فيه بإطار مذهبي.. أعاد إذكاء نار النشاط الديني المتطرف في البلاد العربية لخلق و إيجاد بديل ((أيدولوجي)) يستثمر الاقتصاد والسلاح معاً.. في عالم كانت تحكمة تقاليد ((سياسية)) تحظر قيام أو إنشاء أية أحزاب ((دينية)) وتمنع قيامها بالعمل في ساحة السياسة العربية والدولية.
قامت التيارات الدينية المتطرفة مذهبياً.. والمتشددة عقائدياً.. بإسقاط الفكر السياسي من برامجها واستثمرت النمو الاقتصادي.. لجعل لغة الإرهاب والسلاح بديلاً وحيداً في سعيها للوصول للسلطة والاستيلاء على مقدرات الشعوب بغياً و عدواناً.
بعد هذا السرد المختصر.. نعود لنقرأ ما يمكن أن نسميه ((عودة اكتساح الهيمنة الاقتصادية)) التي تتجلى في الجولة التي يقوم بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لعدد من دول العالم.. والتي بدأها من ((مصر)) لنجد أن اهم ما يتجلى في هذه الزيارات حقيقة أن ((الفكر الاقتصادي)) الحر.. دخل لساحة ((الصراع)) العربية وبقوة من البوابة التي فتحها محمد بن سلمان.. ويمكن القول إن ولي العهد في كل زياراته العربية والعالمية يقوم بإعادة رسم ((خارطة)) المملكة والبلاد العربية وفق أسس اقتصادية قوية كفيلة بهدم ((المحاور)) السياسية القديمة و تقلباتها.. وضع القاعدة الأساسية التي لا تخضع لأهواء الساسة وتقلبات أمزجتهم ومصالحهم الشخصية أو الآنية.
ذلك أن ((القاعدة الاقتصادية)) تقوم على حفظ المصالح العليا للدول والشعوب وتؤسس لثبات رخائها ونموها الذاتي الذي يستمد قوته من شبكة مصالح واسعة يتعدد فيها الشركاء وتحكمها مصلحة عليا واحدة.. متطابقة في فهمها الاستراتيجي لمستقبل العلاقة بين مختلف شعوب العالم.. وإن كان ((السلاح)) أو تقنيات الصناعات العسكرية تدخل في قائمتها.. فإن هذا لا يأتي بهدف الغزو أو التوسع.. ولكن لخلق بدائل ناجحة تحد من نمو ((سوق السلاح)) القائم حالياً. .وتضمن للدول و الشعوب الحصول على قوة ذاتية رادعة لا تستنزف معطيات الخارطة الأقتصادية الجديدة أو الناشئة وتحقق التوازن الدولي في عالم لم يعد خاضعاً للأهواء التي تقودها الصراعات العرقية و المذهبية.. ولا التطرف والإرهاب.