عمر إبراهيم الرشيد
تعرف المجتمعات البشرية من خلال تراثها، آثارها وفنونها، لذا تجد السياح عبر العالم يحرص الواعون منهم على ارتياد وسط البلد لهذا الهدف. مهرجان الجنادرية قدّم وجمع تلك العناصر في مكان واحد، معرِّفاً الأجيال الناشئة بتراثهم الوطني والزوار والمقيمين بتراث المملكة وفنونها، إلى جانب مشاركة المخضرمين في المجتمع السعودي ذكريات الأمس غير البعيد وعواطفهم المتجذرة تجاه كل ما يتصل بالأمس القريب. إن أي جهد بشري مجبول على النقص والكمال لله وحده، وبعد انقضاء المهرجان وانفضاض السامر فغن من الحكمة مراجعة نواقصه أو سلبياته، وقد كتبت من قبل عن هذا الأمر إنما التذكير يقتضي الإعادة. ولا يساورني شك أن القائمين على تنظيم المهرجان من لجان وإدارات يهمهم أمر المهرجان الذي هو نتاج ركضهم الحثيث طوال أيامه، بل قبل بدئه بأشهر، وحريصون على كل ما يرقى بهذا الحدث الضخم، إنما لا يعدم المرء الحاجة إلى نقد صادق ومشورة قد تغيب عن الذهن.
في رأيي المتواضع أن المهرجان قد توسعت مساحات العرض فيه لمختلف قطاعات الدولة وإداراتها، مما يتصل بالثقافة والتراث والفنون أو لا يتصل بتاتاً، مما أخرج المهرجان عن مساره الذي يفترض أن يكون للتراث والثقافة والفنون الوطنية وما يتعلّق بها، وكما قلت أن السائح إنما يبحث عن تراث هذا البلد وتاريخه الاجتماعي وثقافته وفنونه، لأن الباقي يشاهده وهو في سيارته أو عبر وسائل الإعلام التقليدية، أو عن طريق وسائط الإعلام الاجتماعي الجديدة، عدا عن أن الوزارات والإدارات على اختلاف تخصصاتها إنما هي قائمة على مدار العام لمن أراد التعامل معها أو التعرّف على أعمالها.
إنك حين تسأل من يذهب إلى مهرجان الجنادرية الوطني عمّا إذا زار جميع أجنحته ومعارضه وفعالياته فسوف تأتيك الإجابة بالنفي، والسبب كبر مساحة المهرجان ووجود مئات المقرات والأجنحة العامة والخاصة، عرضاً وبيعاً، مما يصعب على القادم من خارج العاصمة خصوصاً للتركيز على الجوانب المتعلقة بالتراث والحرف والفنون الشعبية. لذا فالاقتراح إعادة النظر في الجهات المشاركة، وقصرها على تلك التي تتعلّق بالتراث والفنون واستبعاد المجالات التقنية أو الصناعية أو الأكاديمية لأنها ليست ما يدفع المواطن والمقيم المجيء وقطع المسافات وتكبد عناء طرق الرياض المتوترة للاطلاع عليها.
أقول هذا ونحن على أعتاب مرحلة جديدة مع مفهوم السياحة وقدوم سياح من مختلف الدول والمجتمعات، ومهرجان ضخم كهذا سوف يكون في مقدمة اهتمامات مكاتب السياحة الخارجية والداخلية، إضافة إلى المواقع التاريخية والتراثية الأخرى في أرجاء المملكة. أما ما تعرضه وسائل التواصل من قبل الجمهور عن بعض التجاوزات أو السلوكيات السلبية فلا تعدو إطار الطبيعة البشرية ولسنا بدعاً من البشر، وكل مجتمع له حظه من العقلاء والرعاع فلا يحسن ببعضنا جلد الذات، والتصوير الذي فتن به الكثيرون ربما يشجع بسيطي الفهم على تقليد ما في المشهد، لأن الشهرة صارت حلماً لدى الكثيرين وبأي طريقة، بالنظر إلى أن الهواتف الذكية صارت وسيلة الكثيرين الوحيدة للاطلاع أو النشر إلا من رحم ربي. على أن السلوكيات الراقية والأفعال الطيّبة هي ما نتمنى التركيز عليها وتصويرها، طابت أوقاتكم.