عماد المديفر
كان لافتاً جداً خلال الأسبوعين الماضيين كمية المقالات التي تناولت موضوع تجنيس أبناء المواطنات السعوديات من أزواجهن غير السعوديين. متضمنةً عدداً من المغالطات والمعلومات غير الصحيحة، ومتترسة بحقوق الإنسان، وحقوق المرأة والطفل، ورافعة شعار العدالة والمساواة مع الرجل، ومتهمةً أي رأي مخالف بالعنصرية والانغلاق تارة، والجهالة و(الذكورية) وهضم حقوق المرأة تارة أخرى..! وهم بذلك إنما يرمون -علموا أم لم يعلموا- نظام الجنسية السعودية الساري العمل عليه حالياً! ويمارسون ما يشبه سلسلة من الإرهاب الفكري المنظم ضد كل رأي مخالف..
إنها كما لو كانت أشبه بالحملة الإعلامية المنظمة والتي شارك بها كتاب مرموقون، عن طيب نية ربما.. ونظرة اتسمت بالسطحية، بُنيت على معلومات مشوشة لديهم، فلم يسبروا بحق أعماق الموضوع. ومشيعين من خلال هذه (الحملة) - إن جاز تسميتها بذلك- أن هناك رأياً عاماً سعودياً (يُطالب) مقام وزارة الداخلية الموقر بتعديل نظام الجنسية لتُمنح بشكل تلقائي لأبناء المواطنات السعوديات من أزواج غير سعوديين، بيد أن الواقع مخالف تماماً لذلك.. فالرأي العام السعودي يقف مع أنظمة الدولة التي نظمت آليات التجنيس، بما فيها تجنيس الكفاءات، وتجنيس أبناء المواطنات من غير المواطنين.. وقد تزامنت هذه الحملة مع تناول مجلس الشورى لدراسة مقترح مشروع لتعديل نظام الجنسية تقدم به عدد من أعضاء المجلس، تمهيداً لرفعه لهيئة الخبراء في مجلس الوزراء الموقر.. فبدت تلك المقالات في تزامنها كما لو كانت تعمل وفق منظومة جماعات الضغط والمصالح، للتأثير على صناعة القرار!
من يقرأ تلك المقالات يُخيل إليه أن أنظمة الدولة تمنع منح الجنسية السعودية لأبناء المواطنة من زوجها الأجنبي، بيد أن الواقع غير ذلك تماماً..! إذ أن العديد من أبناء المواطنات السعوديات حصلوا على الجنسية أسوة بالمواطن، ووفق الضوابط والشروط التي وضعتها الدولة، والتي راعت فيها المصلحة العامة، وبما يحقق أمن الوطن وسلامته، ويحافظ على مصالحه الحيوية والعليا، ليس على المدى القصير فقط، بل وعلى المديين المتوسط والبعيد.. ومن ذلك أن تكون المواطنة سعودية الأصل والمنشأ، وأن يحصل الأبناء على التعليم الثانوي كحد أدنى، كما وضعت نظام نقاط يسهل وينظم عملية النظر في كل حالة على حده.. وليس ذلك فحسب؛ بل أيضاً منحت الحق لأبناء السعوديات من غير السعوديين ممن لا يحملون الجنسية السعودية، منحتهم جميع الحقوق التي يتمتع بها المواطن السعودي، من تعليم، وعلاج، وعمل، والدخول ضمن نطاقات (السعودة)؛ بل وتتحمل عنهم الدولة رسوم الإقامة ونحوه، ويتم احتساب أبناء المواطنات من آباء غير سعوديين في الدعم الذي يقدمه (حساب المواطن) للمواطنة السعودية المطلقة أو الأرملة.
فلماذا أطرح هذا الموضوع؟
لأنه وبفعل هذه الحملة الدعائية المغرضة، أضحى بالفعل قضية رأي عام. وقد تسببت هذه الإثارة للأسف بحدوث استقطاب لدى الشارع السعودي بين طرفي نقيض، وأشاعت جواً من المشاحنة المتضادة، لاسيما وأن الرأي العام المرصود يكشف تحفظاً شعبياً على فتح الباب على مصراعيه في مثل هذه الأمور المصيرية، وسمح هذا التناول من خلال هذه الحملة -التي أصفها في أحسن حالاتها بأنها غير واعية – سمح للمتعصبين من طرفي النقيض بالدخول فيها، والحديث عنها، فلم يحسنوا من جهتين:
الأولى: أنهم ألغوا حق الطرف الآخر في الاختلاف، في هذه القضية، لذلك تجدهم يرمون الطرف الآخر بأنواع التهم، فكل من خالفه في هذه القضية عده «عنصرياً» أو «منغلقاً» أو «ذكورياً» ونحوه.. وبالمقابل في الضفة الأخرى منهم من يرمي كل مخالف له بأنه «خائن» أو «صاحب أجندة» تستهدف الوطن وأمنه واستقراره ومستقبل أبنائه.
غير أنه ينبغي التأكيد على نقطتين:
أولاها: أن هناك بالفعل حاجات مستحقة للدراسة المستفيضة لكل حالة على حدة، كون أحد الأطراف مواطنة سعودية، ابنة الوطن. والدولة تحاول جاهدة أن توفر لأبنائها وبناتها كل ما فيه راحتهم وسعادتهم، من غير ضرر ولا ضرار.
الأمر الثاني: أن هناك بالفعل مخاوف مؤكدة ينبغي عدم إهمالها.. إذ قد يُتخذ بذلك الزواج من السعودية مجرد وسيلة لنيل الميزات، وهناك حالات كثيرة مثبتة تكشف ذلك.. عدا عن أن ذلك لربما يستغله المتربصون بأمن وسلامة ووحدة الوطن كمدخل للاختراق، وتغيير التركيبة السكانية، وهناك أمثلة من دول أخرى تم فيها ذلك، ثم قام الجيل الثاني أو الثالث بالمطالبة بالانفصال تحت ادعاء أن ذلك داخلٌ في حق الشعوب في تقرير المصير.. كما قد يتم استغلال هذا الملف من جهات لها أجندات كما فعل الصحويون أيام فترة ما يسمى بـ»ثورات الربيع العربي».
إن دخول العنصريين أو أصحاب الأجندات في هذه القضية؛ لا ينبغي أن يجعلنا نأخذها من زاوية دون أخرى.. وثقتنا بقيادة هذا البلد وصناع القرار فيه لا حد لها، وكلنا يقين بالله ثم بهم على قدرتهم على الموازنة بين تحقيق المطالَب ودفع المخاوف.
لقد وضع نظام الجنسية السعودية، وجرى تطويره، وفق دراسات وأبحاث علمية مستفيضة، تناولت الموضوعات المرتبطة به، والآثار المترتبة عليه، من كل جوانبها، فوضعت الضوابط والآليات الضامنة لمصالحها ومصالح شعبها العليا، كأي دولة من دول العالم، تتمتع بسيادتها.. صحيح أن الدولة تراجع وتطور أنظمتها باستمرار، لكن هذا لا يمنح الحق لكائنٍ من كان أن يتطاول ويتهم أنظمة الجنسية فيها بـ»العنصرية» أو «التخلف» أو «الذكورية» -وهي من الاتهامات المضحكة في الواقع- فقط لكونها تُمارس حقها بالدفاع عن أمنها الوطني ومصالحها العليا وفق ما تراه مناسباً.. أو أن يتم توجيه مثل هذه التهم للسواد الأعظم من أبناء الوطن الرافضين للتجنيس دون الضوابط المقررة.. وهنا ينبغي وضع حد لهذه الترهات، والتناول الإقصائي البعيد عن الموضوعية.
إلى اللقاء.