عبدالعزيز السماري
تعتبر الألوان جزءًا من حياة البشر، ومظهراً من مظاهر الطبيعة الأساسية، والألوان لها تأثيرات نفسية غير مباشرة، وقد تكون جزءًا لا يتجزأ من رؤية الإنسان وفلسفته في الحياة، وعندما نسافر إلى بلاد تظهر فيها ألوان الطيف في مختلف أبعاد المدينة أو القرية، يتكون لدينا شعور مختلف ونفسية أكثر هدوءاً، وقد يكون تفسيره ارتفاعًا مفاجئًا لمعدلات إشباع الغرائز والجمال وحب الحياة..
من خلال تجاربنا اليومية قد نلحظ طغيان ألوان محددة في بعض مدننا وقرانا، لكن الألوان التي تكسو المنازل في معظم المدن والقرى المحلية ليس لها علاقة بألوان الطيف الربيعي الذي يظهر بعد المطر في منظر بديع، والمتوشح بألوان زاهية في غاية الوضوح، ولكن يبدو أنها متأثرة لطغيان طيف صحرواي يظهر عند الغروب عند هبوب رياح الغبار المتوالية، وتنحصر ألوانه في «البيج» ومشتقاته، والتي تختلف بدرجات تركيزه في ذرات الغبار.
أثناء تجوالي في بعض الأسواق لاحظت تكراراً أن مواد البناء تكاد تخلو من ألوان الطيف الربيعي، ومكتظة بألوان البيج والرمادي والأبيض، وكان الإجابة عند الباعة أن هذا هو الذوق العام، والسوق دوماً ما يلبي رغبات السكان، وهو ما أثار عندي كثيراً من التساؤلات حول علاقة الذوق العام بالكآبة وانحسار الأبعاد الثقافية والفنية في حياة الإنسان.
وهل لهبوب الرياح المشبعة بالغبار بألوانه الباهتة له علاقة بتلك النظرة القاتمة للحياة في سكان هذه المنطقة، وهل يتأثر الدماغ من خلال الشبكية بتلك الرؤى المشبعة بألوان «العجاج»، وهل تنفذ ذراتها أو سمومها لخلايا الدماغ ثم تجعل منه مشبعاً بتلك الرؤية الأحادية للأشياء من حوله.
لا نحتاج إلى جمع أدلة أو أخذ صور من زوايا مختلفة، لكن عليك أخي القارئ فقط أن ترفع عينيك قليلاً أثناء تجوالك في شوارع مدينة الرياض على سبيل المثال، وستلاحظ طغيان لون الغبار على واجهات المدينة، وذلك لا يمكن أن يحدث مصادفة، ولكن هو حتماً نتاج تحولات فسيولوجية بسبب تراكم ذرات الغبار في خلايا المخ.
قد تفسر تلك النظرة الغبارية للأشياء ذلك الموقف المتشدد عند البعض ضد المتعة والجمال في الحياة، وقد تفسر تلك الأحادية المطلقة في التفكير، فالإنسان في ظل حصار أطياف البيج لا يقبل تعدد الآراء والاختلاف كفلسفة في الحياة، ولكن يعمل من أجل فرض فلسفته الأحادية عن الأشياء في الحياة..
بدأت جهود ملموسة لإخراج المجتمع من الأحادية برغم من الممانعة من قبل نسبة غير قليلة من السكان، وما زال قبول التغيير صعب المنال عند البعض، ولابد من حلول أخرى لإحداث التغيير في العقل أولاً، من خلال إثارة غرائز الجمال والفرح، والحل لن يخرج من إيجاد كود للبناء مختلف عن الماضي، وحث السكان على استخدام ألوان الطيف الربيعي في واجهات مبانيهم..
قد يكون أحد الحلول على سبيل الاقتراح منع استخدام لون البيج في المساجد والحدائق والمباني الرسمية ومباني وميادين وقاعات المدينة، وتحريض عقول سكان على تغيير النمط القديم في اختزال الألوان في أطياف الغبار، وبالتالي فتح الباب لتقدير الجمال في الحياة العامة، ومن الحلول أيضاً نشر حدائق الزهور في الميادين..
يُروى عن علماء النفس أنهم ينصحون بعدم الخضوع المطلق لأذواقنا الشخصية، وذلك لأنها تعني خضوعًا أكثر للبعد النفسي السائد، ولهذا يجب الخروج من قاعدة الذوق العام من خلال استقدام ألوان جديدة للمباني من الداخل والخارج، والوعي بهذا البعد يعني وجود الرغبة في الخروج من طغيان النفسية القاتمة على الغالبية، وهو ما سيعمل في اتجاه الخروج من حقبة الرأي الواحد واللون الواحد والذوق الواحد إلى حيث التعدد والاختلاف وقبول الآخر..
عندما أتناول هذه النظرة الأحادية للذوق والألوان في المجتمع، فذلك لا يعني أنني لست أحد ضحايا لون البيج، فقد تربيت منذ الصغر على إدمان النظر لهذا اللون العجيب والطاغي على الألوان الأخرى في حياتنا العامة، لكن يبدو أنني بدأت مرحلة وعي أولي عن طغيان لون البيج في ذوقي العام، وقد بدأت بالفعل رحلة البحث عن ألوان الطيف الربيعي في اختياراتي لألوان الأشياء من حولي..