لبنى الخميس
هل منحنا تطبيقات السوشيال ميديا الحق في أن تعيد تشكيل نظرتنا عن الجمال والجاذبية؟ وأجرنا عقولنا وموازين ثقتنا لما تمطرنا به من صور وفيديوهات؟ وما تعلنه مؤشراتها المراوغة من الشير واللايك؟ حتى بات لدينا جيل كامل من المراهقات بنصف ثقة وربع رضا وفتات قيمة اعتزاز بالذات..
تقول الإحصائيات إن هناك 10 آلاف فتاة تسأل محرك البحث غوغل كل شهر «هل أنا قبيحة»؟ بالرغم من أن غوغل لا يعرف هوية السائلة.. وكيف تبدو؟ إلا أنه يدعي بصفحاته المشبعة بآلاف النتائج أنه قادر على الإجابة عن هذا الاستفهام المعقد ذي الأوجه المتعددة، لكن السؤال الأهم برأيي: لماذا قد تشك فتاة بمظهرها، وتستعين بآراء ومقالات وتحليلات لأشخاص لم تلتقِهم يومًا؟.. تقول الدراسات إن هناك أسبابًا عدة، قد تدفعنا للشك بحسن مظهرنا والمبالغة في تضخيم عيبونا أمام مرآتنا.. أولها أننا نميل - بوصفنا بشرًا - بفطرتنا إلى ملاحظة عيوبنا قبل النظر إلى محاسننا.. فمثلاً نحن نلاحظ تلك الندبة الصغيرة على جبيننا، والهالات السوداء تحت أعيننا قبل ملاحظة تناسق ملامحنا وجمال ابتسامتنا.. كما أن الدراسات تشير إلى أننا نرى ما نخشاه أولاً.. فإن كنتِ تخافين من التقدم في العمر فسوف تلاحظين تلك التجاعيد الرقيقة التي بدأت في الظهور حول عينيك.. وإن كنت تخشين من السمنة ستقع عيناك بشكل عاجل على أي دهون زائدة بدأت تتراكم حول بطنك.. فعقل الإنسان مصمم بهذه الآلية لحمايته مما يخشى وقوعه باختلاف الدوافع والمؤثرات. إضافة إلى أن حالتنا النفسية وما نمر به من أحداث مختلفة في حياتنا، سلبية كانت أو إيجابية، لها وقع مباشر على تقييمنا لمظهرنا.. فإن أجبت بذكاء عن أسئلة الامتحان، أو أبليت بلاء حسنًا في مقابلة عمل، ستشعرين تلقائيًّا وأنت تنظرين إلى المرآة بأنك أكثر جمالاً وجاذبية، وإن مررت بيوم صعب في عملك، أو تخاصمت مع أعز أصدقائك، سيكون لمرآتك قول آخر. إشكالية ارتفاع طرح مثل تلك الأسئلة، وما يحوم حولها من دوافع، لها ارتباط حتمي باتصالنا المكثف مع العالم الافتراضي الناتج من ساعات طويلة من الفراغ والوحدة. هذا الفضاء الافتراضي المتمثل في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة (تويتر، وانستغرام، وسناب شات).. وغيرها، سَنَّ معايير جديدة للقبول، مثل: مدى استقامة أنفك، وبروز عظمة وجنتيك وأنت تلتقطين «سيلفي»، وعدد «اللايكات» التي تظفرين بها بعد نشر صورتك، أو نوعية التعليقات التي تصلك بعد تصويرك فيديو قصيرًا في سناب شات.
المعضلة الحقيقية تكمن في أننا معرضون لكَمٍّ هائل من هذا المحتوى؛ إذ أشارت الإحصائيات إلى أن هناك 60 مليون صورة يوميًّا تُرفع على انستغرام، وأكثر من 40 مليون «ستوري» على سناب شات.
هذا العالم شديد التطلب والتنافسية.. يطالبنا بأن نكون موجودين بشكل مستمر ومكثف، ومواكبين لأحدث صيحات كايلي جينر وجيجي حديد، بل موافقين على معاييرهما في تقييم الجمال وتعريف الجاذبية؛ وهو ما شكَّل صراعًا نفسيًّا لدى مراهقي وشباب العالم.
ففي العالم الواقعي نحن لا نختار كيف نبدو.. بينما في العالم الافتراضي قدرتنا على إجراء هذه التعديلات أكبر.. فلاتر سناب شات.. وتحسينات انستغرام وغيرها من برامج الفوتوشوب.. تجعل البعض يفضل البقاء في حضرة العالم الافتراضي أكثر من نظيره الواقعي.
شركة دوف الرائدة في دراسات الجمال وارتباطها بالثقة بالنفس وجدت في دراسة أجرتها أن هناك 5 ملايين تغريدة تنتقص وتنتقد المظهر الخارجي، كتبتها سيدات عن أنفسهن في تويتر. أما المراهقات فلسن أوفر حظًّا؛ فالإحصائيات تقول إن 6 من كل عشر فتيات يرفضن الإقدام على خطوة أساسية في حياتهن كدخول الجامعة؛ لشعورهن بأنهن لا يملكن المؤهلات لذلك. وقد يكون الموضوع أكثر جدية وخطورة لدى المراهقين؛ إذ تشير الدراسات إلى أن 1 من كل 3 مراهقين لا يريدون المشاركة في النشاطات الحوارية في المدرسة؛ لأنهم لا يريدون أن يجذبوا الانتباه لأشكالهم، إضافة إلى أنه في الصين وفنلندا والولايات المتحدة أثبتوا أن من لا يملك ثقة في شكله، وتحديدًا لا يشعر بأنه «نحيف» كفاية، سيحصل على درجات أدنى في الاختبارات!
في المقال القادم نتناول الحلول.