د.عبد الرحمن الحبيب
أن تنال زيارة سمو ولي العهد السعودي لبريطانيا ضمن سلسلة من زياراته اهتمام الإعلام فهذا شيء طبيعي، لكن أن تتحول في القنوات الأوربية الناطقة بالعربية وكأنها مشكلة يقدم لها العديد من البرامج، ويُؤتى بمحللين معادين للمملكة ليسوا من بريطانيا ولا من السعودية لطرح آرائهم فذلك أمر آخر..
بداية، ينبغي ألا نأخذ مجمل المشهد بصورة سلبية، ففضلاً عن النقد أو الاختلاف الطبيعي في وجهات النظر، فمن المتوقع أن نجد هجمات إعلامية تسعى لتشويه سمعة السعودية في أية مناسبة حتى في أعظم إنجازاتها وإصلاحاتها الراهنة عبر معلومات مغلوطة أو مجتزأة من سياقها، لأن المملكة قوة كبرى تتوجه إليها الأنظار في وقت تشكو فيه أغلب دول المنطقة من الضعف أو عدم الاستقرار..
كبرى الصحف البريطانية قدمت خبر زيارة ولي العهد على رأس أخبارها كحدث تاريخي، ونالت حسب تعبير قناة بي بي سي «اهتمام غير مسبوق في بريطانيا..»، مع حفاوة بالغة باستقبال ولي العهد استقبال الملوك.. وحتى الزيارة المرتقبة لأمريكا بدأت بنيل اهتمام واسع بالإعلام الأمريكي قبل أسبوع منها. إذن، أهمية زيارة ولي العهد هي ذات طابع إيجابي، والنتائج التي خرجت بها هي لنفع الطرفين والمنطقة، فلماذا ينزعج البعض وينتقدها وكأنها عمل سلبي؟
لو بحثت، بشكل عام، في النقد الذي يوجه للدول ستجد وجهتين: الأول يوجه لدول ناجحة وعلى رأسها أمريكا ودول أوربا الغربية، والثاني لدول فاشلة أو مخربة مثل إيران وكوريا الشمالية. في النوع الأول أغلب النقد للدول يدور حول قوتها وليس ضعفها ولا سوء سلوكها مع النظام العالمي، مثلاً: في نوعية التجارة المتبادلة لاقتصادها القوي، في طلب المساعدة ودفاعها عن الآخرين، في سياساتها تجاه الوافدين الذين يتوقون للعمل فيها ... إلخ. هذا النقد حتمي في كل الأحوال مهما فعلت الدولة، مثلاً: إن تدخلت أمريكا في سوريا فهي مشكلة باعتبارها تؤجج الوضع، وإن لم تتدخل فهي أيضاً مشكلة باعتبارها تتنكر عن مساعدة المظلومين.. وسيظل اللوم عليها دائماً، أصابت أو أخطأت، لأنها ببساطة الدولة الأهم في العالم ومحط أنظاره، وكلٌّ يراها من وجهته..
السعودية هي الدولة الأهم في المنطقة، لذا أغلب النقد الموجه إليها من النوع الأول.. فأول احتجاجاالمنتقدين للزيارة في القنوات الخارجية هي على الاستثمارات السعودية رغم أنها تبادل منفعة للبلدين.. وفي سياق آخر يغضبون على خطة تخصيص 5 % من أسهم أرامكو، وكأن الميزانية السعودية حق مكتسب لهم.. وإن غابت السعودية عن بلد مثل العراق لاموها وإن حضرت ازدادوا لوماً.. كانوا يتهمونها بالمحافظة وصار نفس بعض المنتقدين يتهمونها بالانفتاح.. وحتى يمتعضوا من حجم مساعداتها للبلد الفلاني ويريدون أكثر، لأن المملكة من أكثر دول العالم تقديماً للمساعدات.. وببساطة «كُل ذي نعمة محسود»..
لا ينبغي أن نتذمر من نقد الآخرين للسعودية وحتى الافتراءات يجب ألا نتوتر منها.. فهي حتمية، ومن ثم علينا استثمارها لصالحنا. فكيف يمكن ذلك؟ بداية، أغلب هذا النقد هو بسبب الأهمية العظمى للمملكة ومن هنا ترتكز قاعدة استثماره، أي التعامل إعلامياً مع هذا النقد من منطق الدولة الناجحة، ومثال ذلك ردود ولي العهد في زيارته التي ستستعرض أحدها خاتمة المقال.
خطابنا الإعلامي ينبغي أن يتغير بما يناسب تغيرين أساسيين.. الأول: هو تغير موقع المملكة إلى الريادة؛ والثاني هو تغير الإعلام العالمي من تقليدي إلى إلكتروني حيوي ومباشر مع الناس يعج بأخبار ومعلومات مزيفة. ومن هنا، يجب تغيير النظرية التقليدية القائلة بأن المنجزات تتحدث عن نفسها.. فالبضاعة الجيدة لن تنجح إذا كان تسويقها وإعلامها رديئاً، والعكس صحيح لطالما نجح تسويق بضاعة رديئة بسبب حسن تسويقها.. ففي زمن الإنترنت طريقة عرض الوقائع أهم من الوقائع ذاتها..
في حوارات إعلاميينا السعوديين مع القنوات الدولية، ينبغي التركيز على الخصائص الإيجابية لتجاوز سلبيات المرحلة السابقة في إعلامنا، التي كان يكتنفها بعض الأخطاء، مثل: ضعف الاطلاع على تفاصيل الموضوع قيد النقاش؛ عدم تحديد الجمهور المستهدف؛ الانفعال في الردود، وتحويل المحايدين لخصوم؛ الخلل المنهجي في الردود كتحويل الجواب إلى سؤال؛ الاكتفاء بالحقائق التقريرية دون مراعاة أسلوب عرضها..
وخير مثال، أنه رغم كثرة المتربصين لتشويه المملكة، فقد شهدنا نجاحاً باهراً حققته زيارات ولي العهد نتيجة حسن التعامل مع الإعلام وفاعلية حملة العلاقات العامة وحصافة ردود ولي العهد على المنتقدين.. على سبيل المثال الحوار الذي أجراه كون كوغلين في التلغراف البريطانية مع ولي العهد عندما سأله عن سجل حقوق الإنسان، لم ينفعل، بل رد بأريحية الواثق قائلاً: «نحن لا نملك أفضل سجل في حقوق الإنسان، لكننا نتحسن، ولقد أحرزنا تقدمًا كبيرًا في وقت قصير.»
هذا رد نموذجي قدَّر الجهة المستهدفة (أعرق ديمقراطية في العالم)، بهدوء واضح مريح، أراح السائل بعدم الاعتراض عليه وأراح المتلقي بطمأنته بإحراز تقدم كبير، وفي نفس الوقت كانت الإجابة متكاملة ولم يحولها إلى سؤال استنكاري كما يفعل البعض بطريقة تقليدية بالقول «وماذا عن الحقوق بالدولة الفلانية». فإذا كان مهماً ما تقوله، فالأهم كيف تقوله..