مها محمد الشريف
نحن اليوم في عصر تكنولوجيا المعلومات والصناعات التي قلما تحقق مثلها في العصور السابقة، ولا مجال فيها للتراجع أو ترديد عبارات جاهزة من تلك التي ملأت أدمغة الناس، وكانت كوسيلة سحرية، سيطرت على آفاق أفكارهم، ثم تحولت لمعضلة اعترضت الطرق، ومكثت في كشوفاتهم.
إذا ما تناولنا الأمر من ناحية الاكتشاف نستطيع القول إن إدراك مكامن القدرة المخبوءة قد ظهرت وتشكلت حسب سياسة واعدة ثرية بالمنجزات، غيرت حياة الناس، وبالتحديد مرحلة ما بعد النفط، وصنعت المعجزات بعقول الأذكياء؛ فحصدت ثمار رؤية 2030 مبكرًا، وأعادت حس الدهشة في الأعماق بعدما خفت بريقها في فترة زمنية ماضية. توهج من جديد نور الحقيقة لحب الحياة، وتلألأ الأمل كالنجم في سماء الشعب الذي منحهم إياه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ولامس العقول، وارتبط ارتباطًا وثيقًا بالرأي العام. وإن هذا الأمر رغم ضخامة حجم تداعياته ينطوي على تقنية ضاربة أطنابها في العالم من أجل تحويلها إلى صروح شامخة من الشواهد مستقاة من التاريخ العظيم.
ولكون هذه المرحلة تختص بمسيرة التطور، والركائز التي تستند إليها التطلعات من أجل توظيف كل مكون فيها، حتى بدت اهتمامات الناس تواقة لمعرفة تطورات الثورة المعلوماتية والرقمية والذكاء الاصطناعي التي يهتم بها المسؤولون في هذا البلد المعطاء، والتي يرددها ولي العهد السعودي في أوجه السياسية والاقتصاد والفن وجميع المجالات، ويعتبرها أكثر حيوية لبناء عقول مبتكرة ومبدعة، كانت أولى زيارته (زيارة ناجحة) إلى مصر، استمرت 3 أيام، وشهدت تدشين عدد من المشروعات الاقتصادية، بحضور الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ومن ثم غادر سموه إلى لندن في زيارة رسمية، تركز على شراكة تحقق فوائد واسعة النطاق، يحكمها حجم الروابط التاريخية للبلدين.
إن طبيعتنا البشرية عصية على الخضوع للعزلة، ولا يختلف أحد منا على ضرورة التناغم والتواصل مع العالم الخارجي، وهذا أمر نلمسه في سياسة دولتنا، وحرصها على مد جسور التواصل وتبادل المصالح.. وهذا أمر استطاعت دولتنا بلوغه باقتدار؛ لذا شهد التبادل البريطاني - السعودي في السنوات الخمس الماضية زيادة فاقت 2.3 مليار جنيه إسترليني. وفي عام 2016 بلغ حجم التجارة من سلع وخدمات نحو 9 مليارات جنيه. وتعتبر السعودية منذ عام 2010 ثالث أكبر الأسواق نموًّا للصادرات البريطانية، وثالث أكبر الأسواق نموًّا بالنسبة إلى السلع التي تستوردها المملكة المتحدة. كما تعتبر المملكة المتحدة ثاني أكبر مستثمر أجنبي تراكمي في السعودية بعد الولايات المتحدة. وهناك نحو 300 مشروع بريطاني - سعودي مشترك، فيما تبلغ القيمة الإجمالية للاستثمارات نحو 17.5 مليار دولار.
إذن، نحن مع قائد محنك، يأمل بتحقيق الكثير لهذا الوطن الغالي قائلاً في زيارته للمملكة المتحدة: «إن الشركات البريطانية قادرة على الاستفادة من التغيرات العميقة التي تحدث في بلاده بعد إتمام مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي». مؤكدًا أنه «ستكون هناك فرص ضخمة للندن نتيجة لرؤية 2030».
لا شك أنها زيارة تاريخية؛ إذ استقبلت ملكة بريطانيا إليزابيث الأمير محمد بن سلمان في قصر باكنغهام، والتقى خلالها الأمير تشارلز أمير ويلز، ورئيسة الوزراء تيريزا ماي، وعددًا من المسؤولين لبحث تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين. ونشرت صحيفة «التليغراف» البريطانية تأكيد العلاقة الخاصة القائمة بين السعودية وبريطانيا، التي تعود إلى أكثر من 100 عام. وقال الأمير: «العلاقة بين السعودية وبريطانيا هي علاقة تاريخية، تعود إلى تأسيس المملكة. كما أن لدينا مصلحة مشتركة، تعود إلى الأيام الأولى من العلاقة. إن العلاقة مع بريطانيا اليوم هي علاقة عظيمة».
وعُقدت خلالها اجتماعات عدة مع رئيسة الوزراء تيريزا ماي، واتفقا على عدد من الموضوعات المتعلقة بالمجال التجاري والاستثماري بين البلدين، وأهمية الحل السياسي في اليمن، وسبل تعزيز التعاون المشترك والمستمر بين البلدين، خاصة في المجالات الاقتصادية؛ إذ اتفقا على تبادل تجاري بقيمة 65 مليار جنيه إسترليني على مدار الأعوام القادمة، وهو في الحقيقة تعاون يعتمد على ثقة متبادلة بين البلدين.
وهكذا يغدو الوقت واعيًا بذاته، ويمضي برؤيته ليحدد أهمية عظمى، نكتسب من خلالها قيمة القدرة على الأداء والتطبيق. ذلك جزء واحد فحسب من بين الأدوار والتفسيرات المهمة للتواصل مع العالم، وطرح المشكلات السياسية وتدخلات إيران السافرة في الدول العربية؛ فكانت زيارة ولي العهد إلى بريطانيا لها أهمية كبيرة خاصة، تتمثل في توقيتها بالنسبة للجانب السعودي والبريطاني؛ فالسعودية اليوم تخوض مرحلة جديدة من العمل الاقتصادي من خلال «رؤية 2030»، تتوق لها كل الدول.