خالد بن حمد المالك
كان برنامج ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مزدحماً في زيارته التاريخية لبريطانيا، لم يترك ملفاً نقله معه إلا وناقشه مع البريطانيين، ليعود إلى المملكة وقد توصل إلى تفاهمات معهم، وتوج الزيارة بتحقيق ما سعى إلى إنجازه من أهداف، فرأينا كيف كانت مواقف المسؤولين من أفكاره، وتجاوبهم مع ما قاله لهم، وتحركهم باتجاه الشراكة مع المملكة اقتصادياً واستثمارياً وفق رؤية المملكة 2030، والتنسيق مع المملكة أمنياً، وتضييق الخناق المتوقع على الإرهابيين بالتنسيق الثنائي بين الدولتين، وزيادة التعاون في المجالات الثقافية والصحية والتعليمية، وإقامة المشروعات المشتركة.
* *
يعمل في المملكة حالياً أكثر من ثلاثين ألفاً من البريطانيين، وتساهم بريطانيا في أكثر من 200 مشروع في المملكة، وهي أكبر مستثمر في المملكة بعد الولايات المتحدة، وتمتد العلاقات الدبلوماسية إلى قرابة مائة عام، حيث كان أول تمثيل دبلوماسي بريطاني في المملكة قد تم عام 1930م، وبعد هذه الحقبة التاريخية الطويلة، يجب أن نثمن للأمير محمد بن سلمان أنه نجح مع رئيسة وزراء بريطانيا في تأسيس مجلس الشراكة الإستراتيجية، وأن هذه الزيارة نظمت منتدى للرؤساء التنفيذيين في الجانبين، ليضاف هذا التعاون إلى حوار المملكتين وإلى مجلس الاتحاد السعودي البريطاني وغيرهما.
* *
ولأن إيران تشكل في سلوكها شكل الدولة المارقة، المتآمرة على دول المنطقة، والداعمة للإرهاب، فقد نجح الأمير الشاب في الوصول إلى اتفاق مع بريطانيا لمواجهة زعزعة إيران للاستقرار في المنطقة، بينما على الجانب الآخر من النشاطات المصاحبة للزيارة يتم افتتاح الأيام الثقافية السعودية وفعاليات مسك في لندن، فيما سموه ورئيسة الوزراء يتوصلان بعد اجتماع موسع ضم أعضاء من الجانبين إلى رفع حجم التجارة والاستثمار إلى 80 مليار دولار.
* *
يحدث هذا بينما تتواصل خلال الزيارة مسيرات ترحيبية بولي العهد، وجاءت هذه المسيرات تثميناً للدور الكبير الذي لعبه الأمير الشاب لتحقيق الإصلاحات التي كانت الحدث الأهم في تناول الصحافة البريطانية، بالتزامن مع الزيارة الأميرية، إذ رأوا -في قيادة المرأة للسيارة، ودخولها الملاعب الرياضية لمشاهدة مباريات كرة القدم، والسماح للسينما بالمملكة، ضمن حزمة من المبادرات الترفيهية، وتوسيع فرص العمل لها، إلى جانب مكافحة الفساد، وإطلاق رؤية 2030، والإعلان عن المشروعات العملاقة (نيوم) و(القدية) و(البحر الأحمر)- ما يستحق أن يستقبل الأمير في لندن بمثل ما استقبل به من حفاوة على المستوى الشعبي.
* *
لقد رأت رئيسة وزراء بريطانيا «تيريزا ماي» أن زيارة الأمير لبريطانيا سوف تضيف إلى علاقات البلدين آفاقاً جديدة، بينما قال وزير الخارجية البريطاني «بوريس جونسون» الذي كان على رأس مستقبلي الأمير لدى وصوله إلى المطار: إن زيارة ولي العهد بمثابة إعلان عهد جديد من العلاقات الثنائية بين البلدين، وبمثابة الشراكة التي تعود بالمنافع الكبيرة على الطرفين، وبالنسبة للإعلام البريطاني وموقفه من الزيارة، فقد تصدرت الزيارة أغلب الصحف البريطانية على صفحاتها الأولى، على أن هنا في لندن من يتحدث عن قدرة الشركات البريطانية في الاستفادة من التغييرات العميقة التي سوف تحدث بعد إتمام مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لأن هناك فرصة ضخمة لبريطانيا للاستفادة من رؤية المملكة 2030، خاصة وأن المملكة هي أحد أكبر 20 اقتصاداً دولياً، كما أنها ثالث أسرع سوق في النمو للصادرات والاستيرادات البريطانية.
* *
الأمير محمد -وضمن نشاطه المكثف- التقى بأعضاء مجلس البرلمان البريطاني، وناقش معهم الشؤون الخارجية والتعاون الأمني بين المملكتين، وقد كان انطباع أعضاء المجلس مشجعاً على التعاون بين الرياض ولندن، وهم مقتنعون بأن الاقتصاد السعودي سوف يوفر لبريطانيا فرص التبادل التجاري بشكل أفضل، ولم يكتف الأعضاء بذلك، بل قالوا إن تعزيز العلاقات بين الدولتين سوف يخلق فرصاً واسعة في مجالات الصحة والتعليم والتدريب والصناعة، وإن قوة الاقتصاد السعودي قادر على خلق فرص وظيفية ببريطانيا منوعة عبر التبادل التجاري المتنوع.
* *
أي أن الزيارة تتجه إلى تحقيق أرقام غير مسبوقة من النجاح، ما يعني أن اختيار الأمير لبريطانيا لزيارتها كأول دولة غير عربية بعد مبايعته ولياً للعهد، لم يأت قراره وترحيب بريطانيا بزيارته من فراغ.
يتبع