محمد عبد الرزاق القشعمي
وحيث قدم والدي للعيش في المملكة في العام 1949م لم تكن هناك مدارس متعددة واختصاصات مختلفة، والفن على اختلاف أنواعه لم يكن متوفراً في المملكة آنذاك والإنسان عليه أن يجد لنفسه مهنة يقتات منها. ومن هنا التحقت بمدارس القوات الجوية التي تعد وتؤهل الشباب لإدارة أعمال مطارات وجميع ما يمت لذلك بصلة بعدها ذهبت إلى الولايات المتحدة الأمريكية في بعثة لدراسة متطورة عن الإلكترونيات.. وقد اخترت الإلكترونيات بالذات لأني وجدت فيها علما حديثاً يعتمد على الرياضيات والمنطق، وأنا كنت جيداً في المجال العلمي كما في الأدبي، ولما لم يتوفر لي المجال الثاني اخترت الأول..
وقال عن مستوى الفن التشكيلي في المملكة.. «في الواقع الآن عندما أنظر إلى ثلاثين سنة إلى الوراء وأجد عدد الذين يرسمون لا يتعدى عدد أصابع اليد الواحدة والآن أجد حوالي الثمانين معرضاً يقام سنويا في المملكة يشارك فيها حوالي ثلاثمائة فنان فأتصور البعد الشاسع بين البداية وما وصل إليه الفن السعودي حاليا... الآن الفنانون السعوديون بات بإمكانهم أن يقفوا على مصاف الدول العربية بل إنهم يتعدونها في كثير من الأحيان.. ».
اليحيا مترجماً:
(قصة أر باد كونج 1944) وهو يحكي عن أول رئيس جمهورية للمجر (أرباد كونج)، والذي ينتخب ديمقراطياً لأكثر من أربعين عاماً. وحصوله على جائزة (ويت لاند) كمترجم لبعض أعمال مشاهير الروائيين المعاصرين في أمريكا أمثال (فولكنر) و(همنغوي) و(أبداك) وكونه مبدعاً في التأليف المسرحي والقصص القصيرة. وقد ترجم عدداً من قصصه القصيرة. ونشرتها (الثقافية) بعددها الأسبوعي 9901 ليوم الأحد 29/ من رجب 1420هـ 7 من نوفمبر 1999م.
إضافة لترجمته لكتاب (اللون وتقنياته .. للفنان التشكيلي) لها نزشوارتز عام 1424هـ/ 2004م ص 139 من اللغة الإنجليزية إلى العربية.
وكان قبل ذلك عام (1967) عند ما كان مشرفاً على صفحة الفن التشكيلي بجريدة (المدينة)، وهي أول صحيفة تفرد صفحة لهذا الفن في المملكة.. يقول: «.. وكنت أحرر تلك الصفحة الأخيرة يوم الجمعة بمفردي كتابة وتصحيحاً وإشرافاً. كان ذلك في منتصف عام 1967م عام النكبة، وكانت الصفحة تحتوى على:
1 - مقال مترجم عن الفن – من مجلة نيوز ويك ومجلة التايم.
2 - كتابة مقال في حلقات عن (أثر الفن في تطور المجتمع).
3 - شرح لمبادئ أولية في الرسم – المنظور، التشريح.. إلخ.
4 - لوحة الأسبوع.
5 - نادي الرسم - دعوة للمشاركة.
6 قصيدة مع تخطيط.
ونجد (المجلة الثقافية ) ترحب به عند عودته للرياض ففي العدد (101) في 2/3/1426هـ نجدها تنشر خبراً عنه (الفنان اليحيا يعود بغنائم أدبية وتشكيلية)، «الفنان عبدالجبار اليحيا الرائد التشكيلي والأب الروحي لكثير من التشكيليين الذي يعتبر صديق الأدباء على حساب عشقه للتشكيل عاد بعد رحلة طويلة خارج الوطن، استعاد من خلالها نشاطه وجمع فيها كثيراً من الأفكار التشكيلية والأدبية التي يستعد لوضعها في مواقعها الصحيحة على اللوحة وعلى صفحات الثقافية، أبو مازن اسم ما زال يعطي بكل حيوية ويدفع بالآخرين للعطاء افتقدته الساحة إلا أنها سعدت بعودته التي يؤمل أن تبدأ بإقامة معرض جديد لمجموعة ألوان التي يرأسها والأيام القادمة موعد منتظر لهذا التحرك الجميل».
وبعد شهر نجدها في العدد (105) تعيد نشر أخباره والإشادة بأدواره، بل والمطالبة بتكريمه: «عبدالجبار اليحيا يحظى بحب الوسط التشكيلي.. التشكيلي المخضرم الفنان عبدالجبار اليحيا يحظى كعادته بحب كبير من منسوبي الوسط التشكيلي، ولهذا فهو محط أنظار وأسماع الحضور في أي معرض يتواجد فيه.
أبو مازن فنان يمتلك بصراً وبصيرة نافذة، يستطيع من خلالها تقييم اللوحة أو أي عمل إبداعي، عوداً إلى مختزنه وخبراته الطويلة مع ما يمتلكه من ثقافة عالية عربية وعالمية في هذا المجال، لهذا فقد رشحه كثير عميداً للتشكيليين في الرياض. وطالبوا بتكريمه بشكل جماعي مقترحين أن يكون حفل التكريم مشتملاً على معرض استعادي لتجربته الطويلة».
وتبشر (المجلة الثقافية) القراء بأن اليحيا يكتب سيرته الذاتية، ففي عدد (201) الاثنين 18/5/1428هـ الموافق 4/6/2007م «يضع الفنان التشكيلي الرائد المثقف الأستاذ عبدالجبار اليحيا لمساته الأخيرة على سيرته الذاتية الفنية المتصلة منذ أمد كان فيه الفن التشكيلي مفهوماً هلامياً يبسطه أناس فلا يتجاوزون لوحة نخلة، ويظن به آخرون الظنون... أبو مازن من جيل لا يعترف بالتحديات إلا سبيلاً للفعل، فدرس أكاديمياً وعاش مع الفن عالمياً، واكتسب حضوراً مدهشاً في الساحات المحلية والعربية والدولية.. إلخ».
عبدالجبار اليحيا.. مثقف قبل أن يكون فناناً، وإنساناً معهما وبعدهما، وتمتلئ بخلقه، وتتأمل إبداعه، وتحس أن الزمن يتوقف عند الكبار فلا تدق ساعاته في حضرة من يمتلك الحس والذوق والتميز والجمال.
وصحيح أنه عاد واستقر بين أهله وأحبابه وأصبح منزله هو مرسمه حيث يقابل زواره وأصدقاءه إلا أن الأمراض داهمته في السنوات الأخيرة فأصبح يغالبها.. فكثرت زياراته للمصحات وكثرت الأدوية والعقاقير الطبية وأصبح بقاؤه بالمنزل أكثر من خروجه إلا للضرورات القصوى.. أو إلحاح من صديق أو رفيق في زيارة آخر أو حضوره معرضاً للفنون من باب التشجيع والمؤازرة.. حتى وافاه الأجل المحتوم صباح يوم الجمعة 20 رمضان 1435هـ الموافق 18 يوليو 2014م رحمه الله.