قاسم حول
في صالة سينما مهرجان أسوان السينمائي وبين ممرات الصالة كان يمشي عدد من منظمي المهرجان وهم يحملون العربة التي تجلس فيها السينمائية الوثائقية عطيات الأبنودي حتى يوصلوها إلى مقدمة الصالة، وحيث يجري تكريمها أمام مشاهدي وعشاق السينما. ولقد نزل مدير المهرجان من المسرح إلى حيث تجلس السينمائية الكبيرة «عطيات الأبنودي» تقديرا واحتراما لتاريخها الثقافي في مجال السينما.
عطيات الأبنودي قيمة سينمائية كبيرة في عالم السينما العربية والعالمية، فهي من عشاق السينما الوثائقية، أنتجت وأخرجت ستة وعشرين فيلما وثائقيا طوال حياتها السينمائية. وكان فيلمها «حصان الطين» هو واحد من الأفلام التي عرفت من خلاله كمبدعة في مجال الفيلم الوثائقي. والذي حصد أربع جوائز في إطار مسابقات الفيلم الوثائقي ويتحدث الفيلم عن عمال صناعة الآجر وشي القوالب الطينية وفخرها. وتصفها الكاتبة منال بركات بالقول « انحازت دائما إلى الفقراء والغلابة تبحث عن جوهر المصري عن سر عشقه للحياة عن تحايله على صعوبات يومه عن فرحه عن ألمه، تلك هي عطيات الأبنودي، ابنة محافظة الدهقلية المولودة في مدينة السنبلاوين».
تشخيص دقيق للكاتبة منال بركات، إذ كانت مشعة في حضورها حفل التكريم وهي قدرة غير عادية تستحق الإعجاب والوقوف أمام قدرتها في مشاهدة الشاشة السينمائية بعد أن أصبحت غير قادرة على إنتاج الفيلم السينمائي الذي شكل أحد مبررات وجودها الثقافي السينمائي.
للسينما الوثائقية تاريخ في الثقافة حتى أن بعض المخرجين لا يعترفون بالفيلم الروائي، ويعتبرون السينما الوثائقية هي السينما، ومنهم المخرج الروسي «ديزيغا فيرتوف»، فلقد تعلمت عطيات الأبنودي مهنة السينما وصناعة الفيلم وشكل وجودها جزءاً من تاريخ السينما الوثائقية في مصر، فاستحقت التكريم من قبل زملائها ومن قبل الجيل الذي تعلم منها.
يتساوى التكريم بين جميلة بوحيرد المناضلة الجزائرية التي أطلق اسمها على الدورة الثانية لمهرجان سينما المرأة وتكريم المبدعة السينمائية عطيات الأبنودي. وتلتقي المهمتان النضاليتان، المهمة السياسية وتحرير الشعوب من ربقة الاستعمار والمهمة الثقافية التي تحرر الشعوب من التخلف من خلال كشف الواقع الموضوعي عبر الفيلم التسجيلي أكثر أدوات التعبير قدرة عن الواقع.
حاول ويحاول التلفزيون سحب الفيلم الوثائقي إلى شاشته لكنه فرغ هذا النمط من الأفلام من محتواها الفكري وقيمها الجمالية والفنية. وهو أمر مؤسف حقا، إذ لم تعد مؤسسات الدولة معنية بهذا النوع من الأفلام تاركة للتلفزيوين العبث في شكلها ومحتواها.
تبقى السينما الوثائقية قيمة فنية وفكرية ولها رموزها من أمثال «ديزيغا فيرتوف، رومان كارمن، سانتياغو الفارز، أيميلي تورينداك، كارل كاس، يورنس أيفنز، جريرسون، صلاح التهامي، نبيهة لطفي، هاشم النحاس، أحمد راشد .. وفي المقدمة عطيات الأبنودي» جيل مدهش من رواد السينما الوثائقية، وفي صناعة الفيلم الوثائقي.
أن تكرم «عطيات الأبنودي» المرأة التي انغمرت في كشف الواقع من خلال الكاميرا وفي مهرجان سينمائي خاص بعالم المرأة سواء بالموضوعات التي تناولتها السينما أو المرأة المنتجة في السينما.
* سينمائئ وكاتب عراقي مقيم في هولندا