د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
التنوين علامة من علامات الاسم، قال ابن مالك:
بالجر والتنوين والندا وأل...ومسند للاسم تمييز حصل
وكان من أمر شرّاح الخلاصة أن عددوا أنواع التنوين، وهي: تنوين التمكين كما في (زيدٌ)، وتنوين التعويض كما في (حينئذٍ)، وتنوين المقابلة كما في (طيباتٌ)، وتنوين التنكير كما في (سيبويهٍ)، قال ابن عقيل عن تنوين التنكير «وهو اللاحق للأسماء المبنية فرقًا بين معرفتها ونكرتها نحو مررت بسيبويهِ وبسيبويهٍ آخرَ»(1)، ورأى النحويون أن التنوين يلحق الأسماء المعارف منها والنكرات، فجعلوا دلالة التنوين فيها على تمكنها من الاسمية، فكان الاسم المعرب منها المنون متمكنًا في الاسمية أمكن التمكن، وإنما يكون التعريف أو التنكير حسب قصد المتكلم، قال السيرافي «وإنما يكون التنكير والتعريف فيهما على قصد المتكلم، وذلك في الأسماء الأعلام التي لا ألفَ ولا لامًا فيها، وفي الأسماء المضافة التي يمكن فيها التنوين أو تقديره، تقول في الأعلام: جاءني زيدٌ، وزيدٌ آخر، ومررت بعثمانَ وعثمانٍ آخرَ، وما كل إبراهيمٍ أبا إسحاقٍ»(2). وهذه المثل المنونة وإن كانت نكرات فتنوينها ليس للتنكير بل للتمكين، قال ناظر الجيش «فتقول: مررت بعثمانَ وعثمانٍ آخرَ، وبأحمدَ وأحمدٍ آخرَ، وبعمرَ وعمرٍ آخرَ، وبطلحةَ وطلحةٍ آخرَ، وبمعدي كربَ ومعدي كربٍ آخرَ، وبإبراهيمَ وبإبراهيمٍ آخرَ، وبأرطى وأرطًى آخرَ، وبقبعثرى وقبعثرًى آخرَ... وليعلم أن التنوين اللاحق لهذه الأسماء التي ذكرها هو تنوين الصرف، ولا يتوهم الصرف، ولا يتوهم أنه تنوين التنكير؛ لأن تنوين التنكير إنما يلحق الأسماء المبنيّة فرقًا بين معرفتها، ونكرتها، وهذه الأسماء معربة»(3).
هذا مذهب النحويين، وهو ما توقف فيه السهيليّ، قال «وليس دخول التنوين في الأسماء علامة للتمكن كما ظنَّه قوم، فإنَّ العرب لا تريد أن تشعر المخاطب بتَمَكُّن اسم، ولا أيضًا التمكن معنى تَحْتاج إلى بيانه، وإعلام المخاطب به، ولا أيضًا قِرْطَعْبَةٌ(4)، وهُدَبِدٌ(5)، ودُرْداقِسٌ(6)، وهي كلها منصرفة بأكثر تمكّنًا في الكلام من أحمرَ وأشقرَ وبيضاءَ وشقراءَ، بل هو أكثر تمكّنًا في الكلام، وهم له أكثر استعمالًا»(7). ورأى التنوين دالًا على الانفصال لا التمكين(8).
وليس الأمر كذلك عندي، أي ليس لتمكين أو انفصال؛ إذ يدل التنوين على التنكير في كل اسم نكرة لم يُضف أو لم يُحلَّ بأل، فالأصل في الأسماء المنكّرة التنوين، وأما دلالته على سوى ذلك فهو تفريع، ويمكن القول إن التنوين يدل على التنكير وحده في الأعلام المبنية مثل (سيبويهٍ) وأسماء الأصوات مثل (صهٍ)، ويدل على التنكير والمقابلة في مثل (طيباتٍ)، ويدل على التنكير والتعويض في (حينئذٍ) و(كلٌ)، ولكنه يفقد دلالته على التنكير في أعلام الذكور؛ لقصد المتكلم إلى تعريفه، ويفقد دلالته ولفظه في أعلام النساء، والدليل على أن التنوين علم التنكير معاقبته أداة التعريف (كتابٌ/ الكتابُ) والإضافة (كتابٌ/ كتابُ زيد). ولعل السهيلي لا يعني استبداد دلالة الانفصال بالمنون من دون التنكير، لأن قولنا عثمان في (جاء عثمانُ وعثمانٌ آخر) منفصل في حال تنوينه وحال منعه التنوين، والفرق بين الحالين التعريف والتنكير فـ(عثمانُ) معهود، و(عثمانٌ آخر) مجهول غير معهود. والاسم النكرة من سماته التنوين والانفصال والتجرد من حرف التعريف، وليس غياب التنوين دالًّا بالضرورة على التعريف، فما انتهى بألف تأنيث لا ينون نكرة كان أم معرفة مثل (هذه صحراءُ شاسعة، وجاءت هيفاءُ مسرعة). والاسم النكرة إذا نقل إلى العلمية بتنوينه فقدَ تنوينُه الدلالةَ على التنكير، كما أنه يفقدها في المثنّي وجمع المذكر السالم لدلالة التعدد على التنكير، فساغ ثباته بدخول أداة التعريف (كتابان/ الكتابان) (قادمون/ القادمون)، وأما ذهابه للإضافة فليس لتعريفه بل لتحقيق التركيب؛ لأنه حاجز لفظي يمنع التركيب (كتابان/ كتابا زيد)، ولذلك كان من المضاف ما إضافته محضة تهب التعريف أو التخصيص، ومنها غير محضة فلا يكتسب المضاف تعريفًا ولا تخصيصًا فهو نكرة على الرغم من إضافته والتنوين فيه مقدر.
(*) مهداة إلى الباحثة القديرة (أفراح المرشد) لما سألت بتنوين التنكير وبقول السيرافي.
(1) شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، 1: 17.
(2) شرح كتاب سيبويه، 2: 318.
(3) تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد، 8: 4046.
(4) وردت في الكتاب مضبوطة بفتحتين قِرْطَعْبَةً وهذا تصحيف والصواب ما أثبته، والقرطعبة: الخرقة.
(5) جاء في المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده (4/ 485) «والهُدَبِدُ: اللَّبن الخاثر، وَهُوَ أَيْضًا: عمش يكون فِي الْعَينَيْنِ، وَقي ل: الهُدَبِدُ: الخفش، وَقيل: هُوَ ضعف الْبَصَر».
(6) جاء في مجمل اللغة لابن فارس (ص: 351) «والدرداقِس: عظم يفصل بين الرأس والعنق».
(7) أمالي السهيلي، ص25.
(8) أمالي السهيلي، ص25.