إشارة: كثير من الأخبار و الأشعار التي تنسب إلى بعض الشخصيات التاريخية منتحل ملفق وما قد تلحظونه في هذه القصيدة هو من قبيل توظيف الأسطورة في الشعر.
إهداء خاص: إلى الصديقين الشاعرين عبدالمحسن الخميس وفواز اللعبون، وإلى جميع معلمي مواد اللغة العربية الذين درست على أيديهم طيلة حياتي ولا سيما في المرحلة الثانوية.
يَـقُـصُّ مَـقـامُ الكأسِ مـا كـان من أمرِه
و يُضفي اعوجاجُ السَّيفِ أمراً على خَمرِه
و تَرقُـبُــهُ الأحقـافُ حَـيثُ عَـدا بِــهَـا
ووَثَّـقـت الأهـوالُ فـيـها عُـرَى صَـبـرِه
و تَـعـرِفُـهُ الشَّقراءُ .. كـان نَـديــمَهـا
عَـشِـيَّـةَ أنْ هَبَّ الخَريـفِيُّ مـن عُـمرِه
و تـَـذكُــرُهُ الــسَّمــراءُ .. إنَّ روايـــةً
تُــلَفِّــقُــها أولى بــما طـار من ذِكرِه
و تَــرمُــقُــهُ العَـفراءُ شَأواً مُضَـمَّـخاً
يـَـجيء بِـأشواقِ الثُّريـَّـا إلى قَــبــرِه
و أفراسُــهُ البيضاءُ في الشِّعرِ ضَبحُها
طَوافٌ ـ كإفشاءِ الهوى ـ في مَدَى عِطرِه
و يَــرثِــيــهِ لَيلٌ نَــازَعَ الرُّوحَ زَفــرَةً
عَلى بَرزَخٍ بين الأُجَــاجَــيْنِ من فِكرِه
رِثــائي رِثــاءٌ يا امرأ القَيسِ لو رَأوا
بُنَيَّاتِهِ لاستَخلَصُوا الوَعيَ من سُكرِه
ولو نَازعُوني فيكَ لغزَ قَريــحَـتي
لما حِدتُ عَن وَخزِ الرَّمَادِ و لا سِحرِه
ولو حَطَّموا أقلامِيَ الــغُـرَّ نقمةً
لما تُبتُ مِن هَمزِ الخَيَالِ ولا مَكرِه
ولو أورَدُوني جَـاحِـمَ اليأسِ ساعةً
لما ازدَدتُ إلا نَشوَةً مِن لَظَى جَمرِه
أنَاضِلُ عَنكَ اليـَومَ حَتَّى كَــأنـَّني
بل الحَقُّ أنّي وَارثٌ جُنَّ مِـن قَهرِه
أتَبكي وقَد شَـاهَدتَ رَمسَ غَريـبَةٍ
وأنتَ غَريبٌ تَطعَنُ الحُلمَ في نَحرِه
أنا صَرخَةُ الأجدَاثِ في الرَّكبِ فَارثِنِي
بِما يُورثُ العُنقُودَ مَجداً لَدَى عَصرِه
فَأنتَ صَديقي يا امرأ القَيسِ لَم أجِدْ
صَديقاً تـُعَزّيــنِي الأسَاطيرُ في شِعرِه
أتـَذكُرُ لمـَّـا أجـهَشَ (الدَّربُ دُونـنـا)
وأرهَبَنَا يـُـتــمُ القصيدةِ في ثَـغرِه
وأورَثـَـنِي غَدرُ العَــشيــرَةِ حَسرَةً
فأجهَشتُ حَتَّى أنقِذَ الحَرفَ مِن أسرِه
فَبَشَّرتَني .. ( لا تَبْكِ عَينُكَ ) وانتَظِر
سَتُغريكَ عَذراءُ النَّسيبِ .. و في خِدرِه
أجَل .. نـَحنُ أبـطالُ المدادِ رِماحُـنَـا
جُـنُـونٌ يــُرابي شَهقَةَ البازِ في وَكـرِه
ونـَحنُ امتِشَاقُ السَّيفِ لـَحظَةَ ثــارَةٍ
يـُـقَــدِّسـُـهَــا بَالُ الضَّريحِ إذا أكْرِه
ونـَـحنُ انسكابُ الشِّعرِ حَيثُ تـَـحُـفُّهُ
حَـمِـيـمِـيـَّةُ الأنواءِ خَوفاً عَلى سِرِّه
ونحنُ السُّهى نحنُ النَّدى نحنُ صَولةٌ
عَوَانٌ ونـَحنُ الحَتفُ لا شَكَّ في قَدرِه
و نَـحـنُ جنودٌ بـَـارَكَ الـجِـنُّ غَارةً
لها إذ تَنَالُ القصدَ في مُنتَهى بحرِه
هُـرِعـنَـا إلى أيكِ الفُـنُــونِ أرومةً
يُـعَـتـِّقُها فَيضُ البصيرةِ في حِبرِه
عَباقِرَةٌ لا نُرهِــقُ الـحرفَ .. إنَّـما
نُرَبِّيهِ طِفلاً يَعجَبُ النَّاسُ مِن بِرِّه
يـُقـَاسِمُ آباءَ القصيدِ دمـوعَـهُـم
فَيَطهُر حَتى يُغسَلَ العَارُ في نَهرِه
ونـَحـنُ ( أفاعِيلُ الخَليلِ ) تَبَسَّمَتْ
لها الكاعِبُ الحَسناءُ حِرصاً عَلى شُكرِه
و رُبَّ فـَتَـاةٍ يا امرأ القَـيسِ جُسِّدَتْ
قواماً مِن ( الوَزنِ الخَليليِّ ) أو شَطرِه
مـَـحَـابِـرُها طَيشُ الشَّبابِ كَـأنـَّمَــا
فَضَحتَ بِها ما أضمَرَ الدَّهرُ في صَدرِه
جـَـلَوتُ لَكَ المرآةَ رَغمَ مَـشـيـبِـهَـا
وجَاذَبتُهَا ما يَعجَزُ الحِقدُ عَن كَسرِه
و لَكِنَّ ( شَــيــخاً ) يَشخَصُ الآنَ دُونَهَا
يـَقـُولُ و صَهبَاءُ القصـيدةِ في طِمرِه
( و إنّي و إنْ كُـنــتُ الأخيرَ زمَـانـُـهُ )
لأَهـرُبُ مِن نَـهيِ الرِّثَاءِ إلى أمرِه !!
- شعر/ فهد أبو حميد