ليس كل رأي حقيقة، وليس كل رأي صادقاً حتى وإن جمع لك الأدلة والبراهين التي تقول لك إنه الحقيقة.
دعني أوضح لك: ستقرأ اليوم أن القهوة وبناء على شروحات جمة وبراهين قوية تسبب أمراض القلب، وستقرأ غداً وبناء على براهين وأدلة أن القهوة تقي القلب من الأمراض. والمثال الذي أطرحه لك هنا هو مثال علمي يقوم على دراسات حسبما تقرأ، وإذا كان أهل العلم كل يوم لهم رأي فهم «براغماتيون» يعتمدون على أمزجتهم التي هيأت لهم في البداية أن القهوة مضرة، ثم جاء آخرون وهيأ لهم مزاجهم أن القهوة صحية، وبناء على ذلك فإن كل فريق يبحث في الاتجاه الذي رآه.
نعم.. هناك حقيقة، ولكن كيف أعرفها؟ وكيف أصل إليها؟ عليك أن تحكم عقلك لا مزاجك في مثل هذه الحالة، فالرأي لا يحتاج إلى الحالة المزاجية التي تعيشها بل يحتاج إلى العقل الذي تملكه، وبناء على أسئلتك المتجهة نحو ما أنت ذاهب إليه، فإن إجاباتك وردودك ستكون، إن توجهت بأسئلتك سواء لنفسك أو لمن أمامك، نحو الضعف، وستكون إجابتك أو مواجهتك أيضاً ضعيفة.
الرأي سلوك تسلكه أيضاً، فمثلما تتعامل بأخلاقك مع من حولك يومياً، أيضاً سيكون رأيك جزءا من هذه الأخلاق، وسلوكك جزء من رأيك الذي ستصبه على الآخر.
إن التزامك في حياتك بمنهجك السوي سيمنحك الموضوعية والمصداقية في رأيك، ولا تخش شيئاً وأنت تطرح هذا الرأي لأن انعكاساته سواء كانت سلبية أو إيجابية ستفيدك، فإن كانت سلبية فإنها ستبني لك وجهة نظر تجاه نقاط محددة في النفس البشرية ومدى تنوعها في التقبل أو الصد، وستظهر لك الجانب السلبي ـ إن كنت متيقناً من صحة رأيك ـ في المجتمع او في الحياة البشرية، وبالتالي ستوجد لك الطرق والسبل في سبيل الوصول إلى حلول لقلب هذه السلبية إلى إيجابية. وإن كانت إيجابية فإن ذلك سيخدمك في أن تواصل السير على ذات المنوال، وأنت تعي أن وراءك من يقف إلى جانب صوابيتك هذه.
ستقف أمامك وجهة نظر تقيس البعدين أو الرأيين، فعندما تفترض أن رأيك في مسألة ما صحيحاً وأخلاقياً بالدرجة الأولى بناء على منظومة أخلاقية تراها أمامك وتقرنها بشواهدها وأدلتها فإنك على صواب. وإن رأى من أمامك أن رأيه في المسألة أنها لا أخلاقية بناء على شواهد من المنظومة الأخلاقية ذاتها، فرأيه أيضاً سيصح ويكون على صواب، لأنكما انطلقتما من زاويتين كل واحد مقتنع بها.
ولكن كيف يصح رأيين في مسألة واحدة؟ سأخبرك: الله عز وجل يقول:» لكم دينكم ولي دين» وسأفترض هنا أنك وقفت أمام «عروض أزياء» في باريس وقلت إن هذا الذي يحدث لا أخلاقياً ويعد استغلالا للمرأة ولا يمت للإنسانية بشيء...الخ. فيرد عليك أحدهم ويقول إن هذا عمل مميز وهو أخلاقي وهو يساعد على أن تعيش المرأة وتكسب رزقها بدلاً عن انحرافها وهو إنساني بالدرجة الأولى... الخ. رأيان مناقضان لبعضهما فمن منظورك الأخلاقي ترى أن هذا لا أخلاقيا. ومن منظور الآخر يرى أن هذا أخلاقياً، وفي كلا الحالتين سنعود إلى الأصل في السلوك أو التنشئة أو العقيدة وسنلحظ أن المؤثرات الأساسية تلعب حتى في المنظومة الأخلاقية وتوجهها. وبما أن لهم دينهم ولك دينك فإنه على صواب وفي نفس الوقت أنت على صواب.
في هذه المسألة ستلحظ أنك مقيد في سلوكك لأنك بنيت رأيك على هذا التقييد الذي نشأت عليه، بينما الأصل أنك لم توسع رؤيتك لتحتمل الآخر، ولتصل إلى غاية أن الرأي في قضية ما لا يحتاج إلى ذهنية إلزامية توقفه عند اللزوم عند حد معين، بل يحتاج إلى قراءة شاملة للأخلاق والسلوك والمرجعية المجتمعية لنتفهم أن رأيي صحيح وأن رأي الآخر المختلف عني أيضاً صحيح في نفس الوقت. ولهذا لا تتعصب لرأي. وكن مرناً في كل الأحوال.
غداً أو بعد غد يمارس الناس سواءتك التي ينهونك عنها!!
محمد الغامدي - برناردشو