هل حقاً تصدق التنبؤات ؟!
(الأخ الأكبر يراقبك) فيها من التواضع الغث وفيها إشباع غريزة الدكتاتورية الشيفونية إلى حدّ النرجسية المتضخمة، إنها فلسفة الشر بذكاء يا سيدي! إنها الألقاب التي تعودنا أن نسمعها إذا فتحنا صفحة الاشتراكية في دول العالم! وأشدها سخرية تناول الكاتب في الرواية أسماء الوزارات المتضادة كوزارة الحقيقة ووزارة الحب ووزارة السلّم وشعارات الحزب التي ينادي بها وهي الحرية والتي تعني العبودية، والجهل وتعني القوة، والسلّم وتعني الحرب!
ونستون ذاك الرجل الرعديد الخوّار الذي أنهكته المراقبة اللصيقة حتى لم يبق شيء لم يشك أنه يراقبه وهذا حال كل مواطن ينتمي لهذا البلد .
لا يُعرف جورج اورويل إلا بروايته الشهيرة (1984) والتي كتبها سنة 1948 وهي رواية أشبه بالتنبؤات منها للقصة حقيقة من يقرأها يدرك وكأنما كُتبت في العقود الأخيرة من مطلع القرن العشرين وبداية الواحد والعشرين فأحداثها قد لا تكون مطابقة في ذاك الوقت كثيراً لأن الحرب الباردة كانت في بدايتها وغبار الحرب العالمية الثانية قد أوشكت على الانحسار فكانت أواخر الستينات وبداية السبعينات عصر الانقلابات العسكرية وهيمنة الأنظمة الشمولية والرقابة الشخصية في العالم الثالث دون استثناء!
ولا شك أن الحداثة والعولمة قد أخذا حيزهما من الفراغ فكان لهما الدور الكبير في إذكاء روح الثورة والمقاومة ولكن المخابرات السريّة كانت في أوج نشاطها الرقابي لتكميم الأفواه، والسجون السريّة ترحب بالمعارضين ويزداد أعداد ساكنيها، فالرواية التي مضى عليها ستة عقود ومازلنا نعيش أحداثها حتى بعد الربيع العربي الذي بدوره لم يغير إلا أعداد الموتى وتطور آلة التعذيب كان محورها الأساسي الإنسان وقيمته كفرد وأن الأنظمة جعلته لا يساوي شيئاً أمام الأطماع وتقييد الحريات، بيْد أنهم واجهوا قوة التكنولوجيا التي أصبحت فاضحة وتُسقط الأحزاب والأنظمة في ليلة واحدة واجهوها بالتزييف والخداع فلا حاجة إلى أخ أكبر يراقبك! ولم تجدِ نفعاً وزارة الحب لذلك اخترعوا (الإرهاب) كفكرة يستطيعون تكميم الأفواه وقمع المظاهرات . فكان ما يسمّى بالإسلام السياسي البعبع الجديد للوصول إلى شيطنة الجماهير الساذجة باتهام صريح تتولاه الأنظمة الشمولية والحزب الواحد لترسيخ فكرة الإرهاب حتى تنعدم المنافسة وهي حجة دامغة على تبني الأفكار الراديكيالية ولذلك وجب قتاله والتخلص منه بواسطة المؤامرات الدنيئة التي أصباتنا سهامها ودولنا المستقرة المطمئنة فكنّا إحدى ضحاياه العابرة للقارات من أجل إقناع العالم أن الإرهاب بهوية عربية إسلامية!
كانت رؤية جورج أورويل ناضجة بما فيه الكفاية لتستمر طقوس الرواية حتى هذا العقد الذي نحن فيه وإن كان هناك اقتباس في السيناريو نوعاً ما من ألدوس هكسلي في روايته ( عالم جديد ) 1932م كما أُشيع ولكن هذا قد يكون من باب الإيحاءات والالتفاف الذكي كونها أول رواية تعني بالخيال العلمي وتنبؤات المستقبل مما حدا بأورويل أن يجعل الحكومات الدكتاتورية والثورجية هي القوة التي تصادر الحريات كحقيقة استمرت لعقود حتى يومنا هذا وليس العلم كما عند هكسلي في وقت كانت الحرب العالمية الثانية قد أخرجت من رحمها قطبي العالم الأمريكان والسوفيت الذين بدءا عهدهما بخطط الهيمنة والنفوذ والاستحواذ الطويل المدى، مما أعطى العالم خيارات جديدة أفرزت لنا على أثرها مصطلح ما بعد الحداثة وأشياء أخرى!!
- زياد السبيت