لم يكن بالإمكان تصور أن ينطق الصمت أو حتى أن نصل معه لهدنة حوار ليخرج عن هذا السكون العميق ويلقي بكلمة واحدة فقط يحرك بها كل الحروف الناسكة في محراب اللاحديث إلا في ذلك اليوم الذي اختلت فيه موازين الطبيعة وتكلم الصمت لبرهة كانت كافية أن تتجاوز الحدود والمسافات كصاروخ عابر للقارات صنعوه ليرهبوا به البشر ولكنهم لم يستخدموه قط لأنهم سيكونون أول ضحياه..!
حمل الموج صوتاً مختنقاً يسأل النجاة ويتوسل أن تلتقط النوارس رسائله وتنثرها على الشواطئ حتى خيل للعابرين أن للبحر آهات وأنات، أصواتاً تشبه الناس ولا يعرفونها.
نطق الصمت في اليوم الذي تساقطت به القنابل على الأطفال وأحرقت الميادين وخرج من بين حشائشها وجذوع أشجارها صوت سنوات تنتحب على ماضيها.
نطق الصمت عندما اغتسل الطفل بالماء جثة هامدة بدل أن يشربه من يد أمه رحل على أكتاف أناس لا يعرفونه ولكنهم يعرفون طريق مقبرة الجماعة جيداً.
تخلى الصمت عن صمته عندما قتل الابن أمه وأحرقت الزوجة زوجها ومات الحب وتلوث بالكراهية.! نطق الصمت حين ترمدت جثث أطفال الغوطة وأغلقت منافذ الحياة ومات الأطفال في كل مكان ولم يكن ذنبهم إلا البراءة.
لم يكن للصمت أن ينطق إلا حين جفت الدمعة وأُنهك القلب ونبضاته وضلّ سكان المدينة طرقاتها وفقدت الأيام اسمها.!
- بدرية الشمري
badreehk@gmail.com