د.خالد بن صالح المنيف
نحن نسقُطُ لكي ننهضَ... ونُهزَم في المعاركِ لنحرِّرَ نصرًا أروعَ.. تمامًا كما ننامُ لكي نصحوَ أكثر قوةً ونشاطًا. (بروانبخ)
يُقال إنَّ40 % مِن سلوكياتنا اليومية عبارة عن عاداتٍ؛ وعلى هذا فنحن نتصرفُ بشكل تلقائيٍّ قرابة 40 % من الوقت تقريبًا!
وعليه، ألَا نحتاج لمحطة (توقُّفٍ) نفكِّكُ فيها تلك العاداتِ، ونفرزُها ونراجعُها ونقوِّمها، ونتخلَّى عن شيءٍ منها، ونتحلَّى بما ينفعُنا؟!
يقول الشاعر القروي:
نَصَحْتُكَ لاَ تَأْلَفْ سِوَى الْعَادَةِ الَّتِي
يَسُرُّكَ مِنْهَا مَنْشَأٌ وَمَصِيرُ
فَلَمْ أَرَ كَالْعَادَاتِ شَيْئًا بِنَاؤُهُ
يَسِيرٌ وَأَمَّا هَدْمُهُ فَعَسِيرُ
فما العائقُ دونَ اكتسابِ العاداتِ الحسنةِ، والتخلي عن السيئةِ منها إذا كانت حياتنا مِلْكاً لنا وشخصياتنا نحن مَن يتولَّى تشكيلَها؟!
وإنْ أثّر في صناعةِ شخصياتنا الأهلُ والأصدقاءُ والإعلامُ؛ يمكننا كسْرُ عاداتنا، وإعادة صياغتها، بل وتغييرها تمامًا! ولْتتجنَّبْ - يا بطلُ - تقمُّص دورِ الضحية وهو الدورُ الأسوأ!
والسؤالُ: كم نحتاجُ لتغييرِ عاداتنا؟
قيل (21) يومًا، وقيل أقل، وقيل أكثر!
وأيَّا كانت مدةُ تغيير العادة تبقَ ضرورةُ أنْ نحاول تغيير عاداتنا إلى الأفضل لتصنع حاضرًا أجمل ومستقبلًا أفضل؛ فالعاداتُ الجيدةُ تسهِّل حياتك وتعينك على الإنجازاتِ!
وثمة سؤالٌ وهو: ما مدى صعوبةِ تغيير العادةِ؟
للعادةِ قوةٌ عجيبةٌ، ويكفي لتعرُّف قوتها أنْ تجرِّبَ عقْد ذراعيْك بالطريقة التي اعتدْتَ عليها، فربما كانت الذراعُ اليمنى فوق أو الذراعُ اليسرى، جرِّب الآنَ عكْسَ الوضع! جزمًا ستجدُ صعوبةً وهذا على صعيد عادةٍ بدنية يسيرة؛ فما بالك على مستوى عاداتٍ نفسيةٍ وفكريةٍ؟!
وسأعينُك في تلك السطورِ على معرفة كيفية تغيير العاداتِ، وهو مشروعٌ يصفه (د. بكار) بأنه صعبٌ ومُضنٍ ويحتاج إلى نفَس طويل وأسلوبٍ حكيم، ولكنَّ ثمارَه كبيرةٌ!
1 - يقول ماسلو: «لكي يتغير الإنسانُ من الضروريِّ أنْ يتغير إدراكُه لنفسِه»؛ فلا بدَّ أنْ تعيَ عاداتِك الجيدةَ، وعاداتِك السيئةَ؛ فالمشاكلُ لا تُحَلُّ دونَ فهم تامٍّ لها، وتحديدها وتحديد كلِّ ما يتعلقُ بها وأسبابها ودوافعها، وما يسهُل عليك اكتسابُها، فكيف ستكتسِبُ عادةً دون وعي بها؟! فهل أنت مُدرِكٌ لعاداتِ النوم وعادات الأكل وعادات الحديثِ؟ هل تعي عاداتِك الأخرى ومنها: عدمُ الصبر في الزحام، وترْكُ الإضاءة مفتوحةً، والتأخرُ عن الحضور في الدوام، والإفراطُ في شرب المشروبات الغازية، وغيرها من العادات؟
2 - فالفعلُ يسبقُه حافزٌ، وبِناءُ العادة يحتاجُ منك لاستحضار واعٍ بفوائد العاداتِ الحسنة ومكاسبها، وكذلك الإحساسُ بالألم جرَّاء الوضع الحالي، وهو ما سيغذِّي في روحِك الرغبةَ والعزيمةَ والإرادةَ لتغيير العادة؛ ولعلها تكونُ مكتوبةً، واسْألْ نفسَك تلك الأسئلة التي اقترحَها عليك ماك أندرسون:
- عندما أتصرفُ بهذه الطريقة، أشعرُ بـ.....
- بعد أنْ أتصرفُ أشعرُ بـ.....
- مزايا العادةِ هي.....
- مساوئ العادةِ هي.....
3- فرّق بين العاداتِ، وتعامَلْ مع كل واحدة منها على حِدَة، واعتنِ بصناعة سلسلة من الأفعال؛ فالمخُّ يُرسِلُ رسائلَ تحذيرية عند القيام بعمل غير معتاد، أو عند الرغبةِ في التوقف عن عادة، وهي رسائلُ تصعِّبُ من المهمة، وتجعل منها مَهمة شاقَّة، وهنا لا بدَّ من التحايُل على تلك الرسائل عبْر البدء بأفعال صغيرة، وتنفيذ مَهام بسيطة، اجعَل البدءَ في تغيير العادة سهلًا؛ فإنْ كنتَ مثلًا ترغبُ في تبنِّي عادةَ القراءة فعليكَ تقليلُ الصفحات، والزمن في البداياتِ.
4- قلِّصْ - ما أمكنَ - مِن البدائل؛ فالبدائلُ إذا كثُرَت تعاظمَت الحيرةُ، وزاد الترددُ؛ فلو عُرِضَ عليك السفرُ لثلاثِ دُوَل لأمكنك اتخاذُ القرار بوقت أيْسر، وجُهد أقل مقابلَ الاختيار بين عشْر دول، ولو أردتَ القراءة فلْتبدأ بكتابٍ واحدٍ أو كتابيْن على الأكثر.
5- قاوِم لحظاتِ الإحباط؛ فمن الطبيعيِّ في البداياتِ تسرُّبُ شيءٍ مِن اليأس والإحباط نتيجةَ العقباتِ في البداية، أو ربما نتيجة استعجال النتائج، وتذكَّرْ أنَّ بِناءَ العاداتِ يحتاجُ لانضباطٍ وجِدِّية والتزام وطول نفَسٍ، وهو ما سيورثُ الطمأنينةَ وراحةَ البال. وتأمَّل في يوم سَكَنَتْ فيه نفسُك، وشعرتَ بالرضا التامِّ، وكانت معنوياتُك في أرفع مستوياتها، ستجدُه ليس اليومَ الذي نمتَ فيه كثيرًا، بل هو ذلك اليوم الذي أنجزتَ فيه كثيرًا.
6- من الإستراتيجياتِ المجرَّبة أنْ تضعَ جدولًا من ثلاثةِ أعمدة، وتدوِّن في العمودِ الأول العاداتِ السلبيةَ، وفي العمودِ الثاني اكتب الإيجابيةَ التي تريدُ الوصولَ إليها، وفي العمودِ الثالث ضَعْ موعدًا للوصول إلى العادة الجديدة، مع ملاحظاتٍ تراها نافعةً.
7- عليك بطلَبِ العونِ والتوفيق والسدادِ من ربك، يقول ابنُ القيِّم في (إعلام الموقعين): «الإنسانُ مندوبٌ إلى استعاذتِه بالله تعالى من العجْز والكسل؛ فالعجزُ عدمُ القدرةِ على الحيلة النافعة، والكسلُ عدمُ الإرادة لفعلها، فالعاجزُ لا يستطيع الحيلة، والكسلانُ لا يريدها».
إذا لم يكن عونٌ من الله للفَتى
فأولُ ما يجني عليه اجتهادُهُ
ومضة قلم
«لن تستطيعَ!»، «صدِّقْني لن تنجحَ أبدًا»... إنْ تجاهلْتَ هاتيْن النصيحتيْن، فقَد قطعتَ نصفَ الطريق نحو التفوُّق.