أنا سيدة عربية متزوجة منذ 28 سنة ولدي ستة أبناء، الكبرى منهم متزوجة ولديها طفل، بعد هذا العمر من الزواج تفاجأت بطلب زوجي الزواج من أخرى، وقد قضيت عمري في خدمته وأهله وتفانيت في هذه الخدمة وقدمت كل ما أستطيع تقديمه له ولأولادي، ولا أمدح نفسي ولكن الجميع من عائلتي وعائلته كانوا يحسدوننا على الحياة الزوجية، وكانت المفاجأة الكبرى أنني اكتشفت أن زوجي له علاقات مع سيدات كثر وباعترافه هو، المهم بعد قرار زوجي بالزواج من أخرى سمعت كلاماً جارحاً من أهله وتدخلات في أسرار حياتنا الزوجية مما جعلني أتصدى لهذا التدخل والتفاهم معهم ومعه على ذلك، وتناقشت مع زوجي عن سبب طلبه للزواج فكانت أعذاره أنني قليلة الخروج من المنزل وأنني لا أقوم بجلب أخبار أهله وما يدور في منزلهم له بحكم زيارتنا الأسبوعية لهم، وأنه يريد زوجة تقوم بالرقص والغناء معه، وأخذ يجرحني بدون أدنى شعور بعمق هذا الجرح بإخباري عن زوجة المستقبل وجمالها وعلمها وأنها تدرس الماجستير،كما أنه نقل مشاكلنا لها وهي تعطيه الحلول لذلك، ويقول لي بأن هذا دليل على طيبتها، وكذلك عانيت في أيام إعلانه الزواج من أخرى من سوء المعاملة لي من جانبه وكثرة انتقاداته وإهماله واستعنت برب العباد على هذه المحنة بالدعاء والصلاة، كذلك كانت الرسائل الهاتفية لا تتوقف طوال الليل وأنا أتوسل له بأن يضع هاتفه على الصامت ولكن لا مجيب لهذا الكلام، وله الآن حوالي 7 شهور والوضع الآن أقل توتراً ولكنني لا أستطيع أن أقبل بشريكة معي، وقلت له هذا الكلام ولا أعلم إلى اليوم هل تم زواجه سراً أم أنه لم يتزوج بعد، ولكن الغزل وكلمات الحبّ المتبادلة ما زالت مستمرة وهذا الأمر يزعجني جداً ولا أعلم كيف أتصرف ولا أود فتح الموضوع معه مرة أخرى، وقد وصلته رسالة أنني لن أقبل بشريكة ولن أستطيع منعه من الزواج وأنا أيضاً لا أستطيع أن أسلب منه حقه في التعدد كما قال، ولكن ما أفهمه أن التعدد له أسباب وشروط لا أجدها تنطبق علي، وقد قال لي: أنا أستعمل حقي الشرعي في التعدد جاز لكم أنت وأولادك وإلا مع السلامة إذا كنتِ تريدين الطلاق.
وهو الآن يحاول إخفاء كل أموره عني ويسمعني كلاماً ليّناً، ولكني لم أعد أصدق أي شيء من هول الصدمة.
أرجو منك الرد على حيرتي وتقييم وضعي وكيف أتصرف؟
وإليكِ الرد:
يقول أحد الروائيين (كم من عين جميلة خبا سناؤها وكم من خد أسيل غدا شاحباً وكم من وجهٍ مشرق طواه الحزن وكم من روحٍ متألقةٍ ذبلت دون أن يعلم أحد سر هذا الذبول، ومن طبيعة المرأة أن تخفي عن العالم آلام عواطفها المجروحة كما هو الطير المصوّب عندما يضم جناحيه إلى بعضهما مخفياً السهم الذي استقر في قلبه).
وها أنت تتحدثين ولسان حالك يقول:
شكوت ُوما الشكوى لمثلي عادة
ولكن تفيضُ العينُ بعد امتلائها
وليس من طبعي أن أنكر وجود المتاعب أو أن أحاول حجبها وإنما أجتهد مستعيناً بالله في تقديم وصفات مفيدة للتعامل مع المشكلة والتخفيف من حدّتها حتى لا تستغرقنا ومن ثم تبلعنا وإليك ما أراه:
1 - مما يسهل الأمر علينا في التعامل مع المشاكل هو التوقف قليلاً لفهم طبيعتها وماهية وجودها وكذلك عدم تأجيجها وشحنها، وبداية أقول إن تفكير الرجل بالزواج لا يعني بالضرورة أنه رجل جاحد أو غير وفيّ، وفي المقابل أختي إن اهتمامك ببيتك وحسن تربيتك لأولادك لا يكفيان للحول دون تفكير الرجل بالزواج فهناك حاجات للرجل ربما لا يشبعها إلا الزواج من أخرى وقد يكون صارحك ببعضها وعلى كل حال سأعطيك قاعدة عامة: افعلي كل ما في وسعك لإرضائه ما دام الأمر لم يخرج عن دائرة الحلال مهما كان الأمر صعبا ًعليك حتى بعد زواجه كي لا تهدينه لها وتستفرد بقلبه وحدها.
2 - إياك أن يكون حديثك مع ذاتك حديثاً سلبياً قد أمسكت فيه بسوط اللوم تجلدينها وتنالين منها وهذا مما يساهم في تفاقم المشكلة وتعقيدها، اطردي أيّ هاجس يزورك ويصور لك الأمر على أنه امتهان لكرامتك أو انتقاص من قدرك أو تقليل من شأنك أو أنك إنسانة سيئة وغير جديرة بالاحترام أبدًا... فالحبيب تزوج على عائشة وهي من أفضل نساء المسلمين حسباً ونسباً وجمالاً.
كما أنه من مصلحتك أن تنظري للحياة بمنظور أكثر شمولية وعمق فزوجك ليس كل الحياة وزواجه لا يعني نهاية العالم فغيرك كثير أختي الكريمة ولستِ أول بطل في هذه المسرحية...
3 - أختي الكريمة إن مما يؤذي النفس ويؤلمها أن نطالب بأمر ترفضه نفوسنا وتلفظه أرواحنا وأن يفرض علينا التصفيق له ومباركته دون أي اعتراض أو ردة فعل نعبر فيها عمّا يجيش في نفوسنا.
لا يمكنني بحال أن أصادر مشاعرك في الضيق والتألم ولكنني في المقابل أدعوك للتأمل والتروّي ولست بصدد التهوين عليك فالزواج من ثانية يمثل صدمة نفسية وضربة عاطفية ومن ينكر هذا فهو جاهل بطبيعة المرأة، ولا أطالبك بالقبول النفسي للوضع وفي المقابل لا أنصحك البتّة بمجرد التفكير في اختيار الابتعاد والانفصال أو التلويح بطلب الطلاق، فأمثالك العقلاء الحكماء لا يرفع من قيمة فاتورة الخسائر فالطلاق لاشك هدم للأسرة وتباعدٌ لأفرادها، وهنا سيكون حجم الخسائر أكبر والآلام أشد لذا أنصحك أختي الكريمة بالتعايش والتكيف بتغليب خيار البقاء انتصاراً لأولادك وترجيحاً لمصلحتهم، وهو لا شك اختيار حكيم وفائز على المدى البعيد،اصبري واحتسبي وراهني على أولادك.
وليس من مواساة وسلوى أسليك بها أيتها الأم العظيمة والزوجة الصالحة أعظم من تذكيرك بنتاجك وصنع يديك في هذه السنوات وما منّ الله به عليك من أبناء صالحين ناجحين وهذا لعمر الله هو الإنجاز الأهم والنجاح الأقوى.
4 - تحدثي معه بحزم وطالبيه أن يحترم وجودك ومشاعرك وتشاغلي بأي شيء حال شرع في الحديث عن الأخرى وإن لزم الأمر غادري المكان فهذا من أبسط حقوقك ويجب أن تصّري عليه بهدوء دون ضجيج أو رفع صوت.
5 - من المهارات العقلية الراقية ما يسمى بإعادة التأطير وهي تعني التركيز على الجوانب الإيجابية في الأمر فليس في الدنيا شرّ محض، وحتى الزواج من الثانية فيه خير، منه أن يعرف زوجك قدرك ومكانتك وما حسن من صفاتك، فالإنسان يذهل عن الأمور الحسنة حال اعتيادها والمداومة عليها ولا يتجلّى له قدرها إلا عندما يفقدها أو تتاح له فرصة المقارنة.
وقد يدفعك زواجه إلى مراجعة شاملة للنفس ولعلكِ بعدها تنطلقين في فضاءات التغيير التي ما كانت لتكون لولا هذا الحدث، كما أن زواجه سيتيح لك وقتاً أطول للجلوس مع أولادك وبناتك وممارسة شيء مما تهواه نفسك بعيداً عن التزامات الزوجية كما أنّ كثيراً من الأعباء الزوجية ستخفّ عنك.. أسأل المولى أن يثبتك وأن يقرّ عينيك بصلاح أولادك وبرهم.