علي الصراف
لم تكن تلك فضيحة أبدًا..
فعندما شاركت إيران في مؤتمر إعادة إعمار العراق، ولم تقدم تعهدًا، ولا حتى بقرش واحد، فلأنها تعرف (سياسيًا وثقافيًا)، أنها تدمّر لا تعمّر، وأن دورها الرئيسي هو تحويل هذا البلد إلى مستنقع فساد ومليشيات، وأن الحرامية، وهي منهم، سوف يتعين أن يتقاسموا المنهوبات وفق نظام «للمحاصصة» يضمن لها «حصة الضبع» الذي يأكل من بقايا كل الجثث.
ولم تكن تلك فضيحة أبدًا، لأن الخراب الذي حل بالعراق كانت لإيران اليد الطولى والأولى فيه. فابتداء من المجزرة التي طالت الكفاءات والخبرات العلمية، إلى أعمال الانتقام الوحشية التي مورست ضد مختلف الوطنيين، إلى سياسات التمزيق الطائفي، إلى أعمال التدمير المنظم لكل مؤسسات الدولة، إلى مئات المليارات التي «ضاعت» ولم يعرف أحد إلى أين ذهبت، إلى توفير التربة الصالحة لتفشي الإرهاب، فقد صنعت إيران خرابًا، وأغرقت الخراب بالفوضى، حتى لم يعد بالإمكان وضع حجر على حجر من دون مخاطرة بأنه سوف يعود ليُهدم من جديد، أو يعود ليُنهب.
وإيران التي تعرف كيف تمول مليشيات مسلحة، تعرف أيضًا كيف تقودها لكي تتناحر مع بعضها البعض بحيث تبقى خيوط اللعبة محكومة بأصابع صانع الخراب وعصاباته. وهي تدمر حتى أولئك الذين تصنعهم. لأن الغاية أكبر من لاعبيها الصغار أنفسهم. فالخراب (من المنطلق الأيديولوجي للمشروع الصفوي) مطلوب لذاته.
ولئن دعمت إيران مليشيات الحوثي في اليمن لكي ينقلبوا على البلاد كلها، ويعملوا على نهب مواردها الشحيحة أصلا، ويسعوا إلى الاستيلاء على كل شيء فيها، دون بدائل صالحة للحياة، فلأنها تدمّر لا تعمّر.
وإذ تعرف إيران كيف تقدم لمليشيات حزب الله في لبنان مليار دولار كل عام (على الأقل)، بينما تترك مصارفها تشهر الإفلاس لكي لا ترد للمودعين أموالهم، فلإنها تدمّر لا تعمّر، حتى في إيران نفسها.
وبينما تقوم مليشيات الولي السفيه في لبنان بتحويل مستقبل لبنان واستقراره واقتصاده إلى رهينة بيد طهران، فلإنها تريد لهذا البلد أن يتحول إلى قاعدة عسكرية متقدمة لحرسها الثوري، لتحمي «حصتها» في وسطه وجنوبه، ولتملك «الثلث المعطل» بحيث لا يقدر أحد أن يبني هناك مشروعًا أو يحقق تطلعًا، مهما كان، لأنها تدمّر لا تعمّر.
وإيران التي أرسلت إلى سوريا مليشيات من كل مكان، وقادت حرب إبادة شاملة فيها، تعمدت أن تجعل الوحشية تشمل الحيطان الواقفة، لا البشر وحدهم. لأنها تدمّر لا تعمّر.
ويخطئ من يظن أنها جاءت بخرابها لتحمي نظامًا هناك، حتى ولو تحول إلى ألعوبة صماء بيدها. بل لتجعل من البلد كله حطامًا، وحطامٌ النظام فيه. فإذا تهاوى أو تم استبدال الدمى، بقي الخراب ينتج المزيد من الانهيار الاقتصادي والتناحرات الاجتماعية والمليشيات.
ولقد أرادت إيران أن تقدم لسوريا درسا ثمينا بمشاركتها الفارغة في «مؤتمر إعادة إعمار العراق»، لتقول للسوريين جميعا: لن نقدم لكم قرشًا واحدًا لإعادة إعمار ما هدمناه في بلادكم. ذلك أن إيران تدمّر لا تعمّر.
وحيثما سوف يتطلب الأمر تمويلاً خارجياً، فإن أحدًا لن يتقدم، لأن الدمى، بقيت أم رحلت، لن تنتج إلا دمى مثلها، فتبقى سوريا تمارس «الصمود» في الفقر و»الممانعة» على خراب، و»التصدي» وهي تنتحب.
وحيث إن إيران نفسها تقف على شفير الإفلاس وتعجز حكوماتها عن تمويل إعادة بناء ما تهالك في البنى التحتية، عجزها عن توفير الاستثمارات، وحيث إنها تظل قادرة على تمويل مليشيات الباسيج والباسدران وغيرها، لتصنع صواريخ، ومنظمات إرهاب، ولتنهب موارد الدولة وتستولي على مؤسساتها وصناعاتها، فلإنها تدمّر لا تعمّر.
ولو شاءت الأقدار أن تدعو الحكومة الإيرانية إلى عقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار إيران نفسها، فإن مليشياتها لن تقدم تعهدًا بقرش واحد. ولن تكون تلك فضيحة أبدًا. ذلك أن كل ما يصدر عن هذا البلد صار، بطبيعته وبطبيعة ثقافته، يدمّر لا يعمّر.