د.محمد بن عبدالرحمن البشر
الولايات المتحدة الأمريكية إحدى دول العالم الحديث، وقد كانت أمريكا بقارتها الشمالية والجنوبية معمورة بالهنود الحمر، وقد قيل ما قيل عن طريقة وصولهم إلى هناك، وانعزالهم مدة طويلة دون تواصل مع العالم القديم، فهناك من يقول إن هجرات متقاربة أو متباعدة قد تمت قبل آلاف السنين عبر سيبيريا، فتكونت القبائل والمجتمعات منطلقة من الشمال إلى الجنوب، وهناك من يزعم أن الفراعنة قد وصلوا عبر قواربهم إلى هناك وشكلوا حضارات، لا سيما في أمريكا الجنوبية، واستشهدوا بشكل الأهرامات لدى حضارة المايا، وكذلك الغرض من بناء الهرم، وغيرها من الدلالات المفترضة التي يحاول المبنون لها الوصول إلى أكبر شواهد ممكنة، وهناك من يرى أن العالم بأسره كان ينعم بحضارة كبيرة قبل التاريخ، وأن أولئك القوم كانوا يملكون من الوسائل المتقدمة ما يجعلهم يصلون إلى أمريكا.
لقد بقي الهنود الحمر سنين عديدة، دون تواصل مع العالم القديم، وصنعوا حضارتهم ونمط حياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما سنوا القيم والمثل والأعراف التي تحكم حياتهم، وتأقلموا مع الأمراض والفيروسات والبكتريا المتواجدة هناك، ولا شك أن نمط غذائهم وحياتهم، وما يتوفر من مأكل ومشرب كان له دور كبير في أنواع الأمراض السائدة.
بعد أن اكتشف كرستوفر كولومبس، أو من قبله بقليل العالم الجديد بمساعدة كبيرة من البحارة الأندلسيين والموريسكين والمسلمين الذي شكلوا أساس حملته بعيد سقوط غرناطة، حملوا معهم ثقافتهم، وحدث ما حدث، وتدفقت موجات من الهجرات المتتالية من أقطار أوروبا، وتلاها عدد غير قليل من المهاجرين من شتى أنحاء العالم فتكون مجتمعاً حديثاً يتكون من أعراق مختلفة، استطاع سن قوانين ونمط حياة خاصة به، تتناغم مع ما هو موجود في أوروبا.
بعد الثورة الصناعية بسنين استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية، وهي أهم دول أمريكا أن تستفيد من تلك الثورة الصناعية، وأن تساهم مساهمة كبيرة في تطور تلك الثورة، ووضع القوانين الكفيلة باستمرارها، والاستفادة منها، وقد نأت في بداية أمرها بنفسها عن حروب ومشاكل العالم القديم، إلاّ أنها فيما بعد، وأثناء الحرب العالمية الثانية تدخلت بشكل كبير وحاسم.
اليوم الولايات المتحدة الأمريكية أكبر دول العالم تأثيراً سياسياً واقتصاديًا وعلمياً وحتى اجتماعيًا. فالولايات المتحدة الأمريكية تشكل أكبر اقتصاد في العالم، بنسبة إجمالي إنتاج وطني يقرب ربع إنتاج العالم، وهي قائدة العالم في المخترعات الحديثة، وأكبر منتج للغذاء في العالم، وأكبر مصدر للحبوب في العالم، لا سيما الذرة، وأكبر مستهلك للطاقة في العالم بنحو عشرين مليون برميل يومياً، وهي أكبر دول العالم تصديراً، وأكبر دول العالم استيرادًا.
في السياسة الخارجية، لها اليد الطولى، ففيها يقع مقر الأمم المتحدة، وهي القادرة على التأثير في جميع أنحاء العالم، وهي الأكبر مساعدة للدول، وأكثر الدول مديونية أيضاً برقم يبلغ عشرين تريليون دولاراً، في الوقت الذي يبلغ إنتاجها الوطني ذات الرقم.
العلاقات السعودية الأمريكية علاقة عريقة وما زالت تلك المقابلة المميزة بين الملك عبدالعزيز -رحمه الله- والرئيس الأمريكي الأسبق روزفلت راسخة في أذهان الكثير، واستمرت تلك العلاقة المتينة عبر عشرات السنين، وأضحت تتطور بشكل كبير وملفت في جميع المجالات.
واليوم في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله-، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد حفظه الله، تشهد العلاقات الثنائية مرحلة مميزة في جميع المجالات وتعاون تام في مجمل القضايا القائمة، وعلى رأسها مكافحة الإرهاب وقطع وسائل تمويله، والمملكة والولايات المتحدة الأمريكية تدركان الأعمال السلبية لإيران في المنطقة، وتدخلاته في الشؤون الداخلية للدول، والمساس باستقرار جيرانها وخلق معاول مساعدة لها في هذا التوجه المؤثر سلباً في المنطقة.
إن قيادة المملكة، تعمل جاهدة مع الولايات المتحدة الأمريكية على المساعدة في صنع السلام العالمي لكنها لا تفرط في أمنها واستقرارها، وحماية أراضيها ومواطنها. وستظل تلك العلاقات راسخة ومتينة وقوية، في جميع المجالات، لما للدولتين من تأثير كبير على المستوى الإقليمي والعالمي.