د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** يذكر «ألبرتو مانغويل 1948م -» في كتابه الشهي «تأريخ القراءة» أن القرن الخامس عشر الميلادي شهد ما عرف باسم «أناجيل الفقراء» التي اعتمدت الصورة مكونًا لصفحاتها كي تساعد الأميين على فهم مضامينها، ويقارنها بعضهم برسوم «يحي بن محمود الواسطي»- من خطاطي ورسامي القرن الثالث عشر الميلادي- لشرح «مقامات الحريري»، وما يزال في الجيل الجميل غير المتعلم من يستدلُّ على المعنى بالصورة، واجتهد آخرون في اختراع آلاتٍ تعين على قراءة أكثر من كتاب في وقت متزامن،ووعينا في تراثنا البعيد وحكاياتنا القريبة مَن حمل الكتب على جِمال لتصحبه في طريقه أو لينقلها إلى بلده، وهذه مؤشراتٌ إلى قيمة الكتاب الذي هان اليوم على ناشريه وموزعيه ومؤلفيه وقارئيه، وبتنا نناقش جدوى المكتبة المنزلية ومصيرها المعتم بعد رحيل صاحبها، وحمَد الله ذو مكتبة خاصة - كما روي أحمد العلاونة في كتابه» العلماء العرب المعاصرون ومآل مكتباتهم- 2011م- ص10» - أنْ ماتت زوجته قبله وإلا فقد كانت ستَأجُر عمال النفايات لتتخلص منها.
** لا يؤلم من اعتاد القراءة مثلُ النأي عنها، ويزداد ألمُه حين يُلفي نفسَه في مدرجٍ ناءٍ عما عرفه وظنَّ أنه مسارُه ومدارُه، وكان وقتهُ أو جُلّه لرفقة الكتاب ثم احتواه أو أغلبَه الفضاءُ الرقمي بكلِّ مفرزاته ومفرداته؛ فاعتاد التسطيحَ ولم يكن، وتصالح مع السباب وما ألفه، وخذله من يكتبُ بقدمه لا قلمه، ومن يلحن في نطقه ومنطقه، ومن ينقل دون تثبت، ومن يهذي ولا يهدي، ومن يتصدرُ وحقه التأخر، وشهد من يتندر بمن يقرأ، ومن يفتخر بما لا يقرأ، وشاء أن يحسب «هدْر الهذر» في يومه فرآه شطرَه، وليته أضافه إلى منامه لكان أجدى.
** أدخَلوا الكتاب في دائرة « الورق « المأسوف على يومه، المُكبَّر على غده، ولو أنصفوا لأدركوا أن «الطروس» تحترق و»الدروس» تخترق؛ فليغب الوعاء إذا بقي الوعي ؛فهل نتصور عالَمًا دون كتب؟ وهل تنمو الكتب كنبتة دون سقاء وساقية؟ وهل يمكن الاتكاءُ على نجوم الإعلام الرقميِّ ليُكوِّنوا منتجَنا الآنيَّ وتراثنا الآتي؟ وربما سمعتم عمّن ينتشون بتغريداتهم وتسجيلاتهم ووسومهم وجسومهم؛ أبهم نرصد مسيرتنا ونوجه أجيالنا؟ لعلها مزحة ثقيلة طالت وحان وقتُ إصماتها.
** نريد عودة من بقي من النخب بكل عَوارهم وعِثارهم فقد كانوا يقولون شيئًا نختلف معه ونأتلف، ونقرأُ ونُقرئ، ونرضى ونغضب، ونحن - اليوم - أمام فراغاتٍ من الصور والكلمات والرسائل واللقطات يُكذبُ آخرُها أولَها وتُدار كؤوسُها بحمى التناقل والتقول،وعهدنا العدوى ترتحل نحو شيبنا إثر شبابنا فانقطعوا لتدوير المُدوّروتكثيف الدوار.
** المضيءُ في الصورة أن شبابًا وفتياتٍ يتصدون عبر برامج رقمية لإعادة الاهتمام بالقراءة عرضًا وتلخيصًا وحوارًا، كما أن بعض المعنيين بالفعل القرائي ما يزالون يناضلون.
** الكتاب حياة.