د.علي القرني
تعيش تخصصات الصحافة في أقسام وكليات الإعلام أزمة إقبال من طلاب وطالبات الإعلام ليس فقط في الجامعات السعودية ولكن أيضا في الجامعات العربية والدولية، وعلى مر تاريخ تعليم الإعلام في حقل الإعلام والاتصال، نجد أن النسبة واحدة وتتكرر بين معظم أقسام الإعلام في الوطن العربي تحديدا، وهي أن حوالي سبعين في المائة من طلاب الإعلام ينضمون إلى تخصص العلاقات العامة، وعشرين في المائة ينضمون إلى تخصص الإذاعة والتلفزيون، وحوالي عشرة في المائة إلى تخصص الصحافة. وكنت قد أجريت دراسة عن تعليم الإعلام في الوطن العربي قبل حوالي عشر سنوات أشارت إلى ذلك، ولا تزال المؤشرات تدعم هذه النتائج.
وهناك سببان يقفان وراء تردد طلاب وطالبات الإعلام من الدخول إلى تخصصات الصحافة في أقسام وكليات الإعلام في الوطن العربي، أولهما: أن الجانب التطبيقي والمهاري مطلوب من طالب الصحافة، فوجوده في هذا التخصص يحتم عليه الانخراط في تعلم مهارات الكتابة الصحافية بجميع أنواعها، ومعظم أقسام الإعلام تعد طالب الصحافة إعدادا جيدا في مجال تعلم المهارات الصحافية. وكذلك الجانب التطبيقي أساسي لهذا التخصص، ومن خلال تجربتي التدريسية في مجال الصحافة بجامعتي الملك سعود وجامعة الملك خالد وجدت تعاونا مهما مع المؤسسات الصحافية في قبول تدريب طلاب وطالبات الصحافة وتدريبهم التدريب المهني المناسب لكونهم عناصر وكوادر صحافية مستقبيلية لتلك المؤسات الصحافية. وهذا الضغط على طالب الصحافة وضرورة التعلم المهاري يجعل كثيرا من طلاب الإعلام يصدون عن هذا التخصص.
أما العامل الثاني، فهو الأمن الوظيفي لخريجي الصحافة، فالطالب ينظر إلى أن الوظيفة هي أساس الاختيار من بين تخصصات الإعلام، ويرى أن الوظائف المتاحة له هي المؤسسات الصحافية، ولهذا يخشى أن هذه المؤسسات لا توفر له أمنا وظيفيا، بعكس زملائه في تخصصات إعلامية أخرى تحقق لهم وظائف حكومية يتحقق من خلالها الأمن الوظيفي المطلوب. كما أن الوضع الحالي للمؤسسات الصحافية لا يعطي الأمان الوظيفي للكوادر الحالي، ناهيك عن وظائف جديدة.
وبعض أقسام الإعلام أضافت بعدا جديدا لتخصص الصحافة الورقية، وهو إما النشر الإلكتروني أو التحرير الإلكتروني، ولكن لم يؤثر كثيرا على أعداد الطلاب المنتسبين إلى تلك التخصصات، ولهذا أرى أن يعاد رسم هوية جديدة لتخصصات الصحافة في كليات وأقسام الإعلام في الجامعات العربية. ولا بد من التفكير في أساليب جديدة وفرص متنوعة أمام التحديات التي تعاني منها تلك التخصصات الصحافية. ولا شك أن الإنترنت هو مجال خصب وواسع لفتحه بالكامل أمام دارسي تخصص الصحافة، ويصبح هو الأساس، كما لا بأس أن نغير حتى في المسمى وليس فقط في المحتوى والمجال.
ومن ملاحظاتنا نحن مثلا في قسم الإعلام والاتصال بجامعة الملك خالد أن عدد الطالبات في تخصص الصحافة والتحرير الإلكتروني يفوق عدد الطلاب في نفس التخصص، مما يشير إلى أن مثل هذا التخصص يكون مناسبا لوضعية المرأة في المجتمع السعودي، خاصة في ظل فرص تمكين المرأة التي وضعت أساسها خطة المملكة 2030.
وعموما، نرى أن كليات وأقسام الإعلام تحتاج أن تتدارس وضعية هذا التخصص بشكل جدي، وتضع له مسارات أو أبعادا تضيف للتخصص وكذلك تفتح مجالات وظيفية مهمة لخريجيه وخريجاته. فمن المهم أن تعمل المؤسسات التعليمية على إعادة هيكلة برامجها وخططها وتخصصاته وفق متطلبات سوق العمل، الذي يعد هو عاملا مهما في الدفع بالخريجين من الجامعات.