د. محمد عبدالله الخازم
الجامعة رسالتها دعم البحث العلمي وتميزها يكمن في استقطاب الباحثين وتسجيل اسم الجامعة على منتجهم البحثي. وكدليل على أهمية هذا الأمر نتذكر مغامرات بعض الجامعات السعودية التي حاولت التعاقد مع أساتذة أجانب لمجرد وضع اسم الجامعة على بحوثهم والتقدم في سلم التصنيفات العالمية. لذلك عندما أعلنت الجامعة عن جوائز الباحثات في المجال الصحي توقّعت أن يكون لديها فلسفة تسخّر تلك الجوائز لصالح الجامعة ولصالح دعم البحث العلمي، لا أن تكون مجرد شيكات بمبالغ مميزة تمنح للباحثات اللاتي تم اختيارهن، بغض النظر عن آليات ومعايير الاختيار. جوائز البحث العلمي والتأليف لا يفترض أن تكون مبالغ مالية بقدر ما تكون منحاً بحثية وثقافية تدعم الباحث أو الباحثة على مزيد من الإنتاجية البحثية المتميزة.
وحتى لا يأتي من يعتقد أنني أكتب من باب الحسد، بل من باب الخبرة، فقد وفقت في الحصول على جائزة مماثلة وقيمة قبل عدة سنوات ألا وهي جائزة وزارة الثقافة لأفضل المؤلفات السعودية، فرحت بالمبلغ المالي المجزي الذي أتى دون تخطيط مني، صرفته في حينه، ولم أجد الدعم لنشر كتاب آخر بعد ذلك. لم أستطع التفرّغ للتأليف وبعد التأليف وجدت المهمة أصعب في ظل عدم وجود الناشر العلمي الجاد، بل إن كتابي القادم ألفته خلال إجازة بدون مرتب من عملي، كسبت جامعة كندية وضع اسمها عليه وخسرت جامعتي! ربما لو أعطيت لي تلك الجائزة على شكل منحة للتفرّغ العلمي أو لدعم نشر مؤلفات أخرى لكان ذلك أفضل وأكثر تحفيزاً لي للمضي قدماً في التأليف. ونفس الوضع سيتكرر مع الباحثات اللاتي فزن بالجوائز المالية الجيدة، سيصرفنها في أمورهن الخاصة ويعدن يبحثن عن الدعم البحثي ومن سيدعم طالبة جامعية أو طالبة دراسات عليا بما تحتاجه لأجل مزيد من الإنتاجية البحثية!
ليس ذلك فقط، بل إن الجامعة لم تستفد بوضع اسمها كداعمة للبحث على أبحاث قادمة تنتجها الفائزات ولم تستفد بجعل الجائزة دعم لبحث ينتج في معامل الجامعة ويسهم في تطوير باحثات أخريات بالجامعة نفسها. يمكن فعل ذلك بمنح الباحثات منحة علمية بالجامعة مع ذهاب أموال الجائزة نحو مرتبات أو تجهيزات معملية أو يمكن عبر منح الباحثة دعماً لزيارة معامل دولية أو قضاء تجربة دولية متميزة في مجالها... إلخ. أساتذتنا يتسابقون للحصول على منح بحثية وتعليمية دولية فلم لا تكون جوائزنا منحاً بحثية وتعليمية وتدريبية وتأليفية؟!
للأسف نحن نتباهى بقيمة الجوائز المادية في مجالات عديدة ومنها البحث والتأليف والثقافة والرياضة وغيرها، بينما لو استطعنا تقليص جوائز (الكاش) وتحويلها لمنح إنتاج ودعم لعمل من جنس الجائزة ووفق مصلحة المؤسسة المانحة لكن ذلك أفضل وأجدى. أقدر النوايا الطيبة بأن الهدف هو دعم البحث العلمي ودعم الباحث أو الباحثة، لكن أخشى أن تكون تلك الجوائز مجرد برنامج دعائي يخلو من الفلسفة الفكرية العميقة لأهدافها ومضمونها...