د. جاسر الحربش
الخمار للمرأة هو ما يغطي الرأس، مثل العمامة للرجل. شاهدت مقطع فيديو عن مجموعة من الشابات والشباب الفلسطيني تؤدي رقصة فولكلورية من التراث بكلمات وأنغام فلسطينية على شاطئ مدينة يافا الفلسطينية العريقة. قبل ذلك شاهدت مجموعات فلسطينية أخرى تؤدي نفس النشاط في تل أبيب المحتلة ومدن فلسطينية أخرى.
المجموعة الشبابية كانت متناسقة في الرشاقة وانسجام الحركة انحناء ونهوضا ً والتفافا ً وتلويحا ً بالمسابح الطويلة، آسرة ألباب المشاهدين مما جعل المتفرجين من يهود وسياح يشجعونهم بالتلويح والتصفيق، بما في ذلك الأطفال المتراقصين مع الأنغام والحركات.
أما أنا كمشاهد عربي بذاكرة قديمة فكان أكثر ما أسرني بين المجموعة وأخذ بمجامع قلبي تلك الشابة بينهم التي كانت مثلهم بالبنطال والقميص، ولكن غطت شعرها بخمار أبيض. صاحبة الخمار تلك كانت تتقافز كالغزال وترقص مخترقة الصفوف فلا يميزها عن الآخرين سوى ذلك الخمار حول رأسها الذي يجعلها فلسطينية وعربية أكثر وأجمل من كل أفراد المجموعة. تلك الفتاة تفهم حسب رأيي حقها في حرية الحركة واكتساب العلم والعمل والاعتماد المادي على النفس مع الاحتفاظ بالرمز المميز لها عن المجتمع الذي يحتل أرضها ويريد كسر هويتها الأصلية.
ما تجسده في نظري صاحبة الخمار الأبيض تلك هو المفهوم الحقيقي لتمكين المرأة وثقتها بنفسها، أي واجب الاعتماد على النفس في كسب الرزق وخدمة الذات والبيت والمجتمع، تماما ً مثلما هو واجب المجتمع تمكين المرأة والرجل على حد سواء من هذه الحقوق الأساسية. بعد أن يوفر المجتمع الحقوق الأساسية للمرأة يبقى عليها واجب التصرف بالجسد بطريقة محترمة، بمعنى تحريره مما يعيق الحركة أو يحدد نوعية العمل ولكن مع الاحتفاظ بالرمز الاجتماعي المميز والأهم، وخصوصا ً في مواجهة عدو يريد صكك كعملة نقدية صالحة لاستعماله، وكان خمار تلك الفتاة الفلسطينية هو الرمز.
أقول لكم بكل صراحة، صاحبة الخمار تلك أجمل عندي من امرأة في عباءة فضفاضة نثرت جدائلها وضفائرها في مهب الريح، وللناس فيما يعشقون مذاهب.