د. محمد بن يحيى الفال
تترقب الأوساط الأوروبية باهتمام بالغ الزيارة المرتقبة لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، التي سيبدأها ببريطانيا في السابع من شهر مارس الجاري. وتأتي هذه الزيارة استكمالاً للعديد من الزيارات التي قام بها سموه لدول العالم في الشرق والغرب والتي شملت كل من اتحاد روسيا الفيدرالية، اليابان، الصين، والولايات المتحدة الأمريكية. وما تميزت به كل هذه الزيارات هو البحث عن شراكات مع هذه الدول والاستفادة من تجاربها الاقتصادية التي خاضتها عبر سنوات تنميتها وذلك من أجل جعل رؤية 2030 والتي أطلقتها المملكة واقعاً مشاهد. وما يميز هذه الزيارات أيضاً هو رؤية سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في تنويع شراكات المملكة الاقتصادية مع دول العالم وعدم قصرها على دولة بعينها وذلك حسب الخبرة التي تفوقت بها كل من الدول التي تم عقد شراكات تجارية واقتصادية معها. وعلى سبيل المثال فقد ركزت زيارات سمو الأمير لروسيا على التعاون في مجال استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية وخصوصاً في توليد الطاقة الكهربائية الذي تتفوق فيه روسيا بتجربة ممتدة لعقود طويلة، ولقد أسفرت محادثات سموه مع الجانب الروسي إلى التوقيع على اتفاقية مع روسيا لبناء سلسلة من محطات توليد الطاقة النووية السلمية في المملكة. وخلال زيارات سموه لكل من اليابان والصين كان التركيز على إيجاد شراكة بين المملكة وهذان البلدان في محور الطاقة، وهو المحور الذي تحتاجه وبشكل دائم ومتسارع كل من اليابان والصين لدعم المجهود الصناعي لهما الذي كانت نتيجته توقيعهما مع المملكة على الكثير من الاتفاقيات للاستثمار في صناعة الطاقة، وتكرير النفط وصناعة البتروكيماويات وهما صناعات تحتاج لضخ مبالغ ضخمة للاستثمار فيهما، وهو الأمر الذي استطاع سموه إقناع الشركاء الصينيين واليابانيين به. وخلال زيارة سموه للولايات المتحدة الأمريكية التي استمرت لأكثر من ثلاثة أسابيع ركزت محادثات سموه مع الجانب الأمريكي على الصناعات التي تتميز وتتفوق بها أمريكا وتحتاج لها المملكة وهي صناعات كل من الترفيه، الصناعة العسكرية وصناعة تكنولوجيا المعلومات. وفي هذا المجال من التعاون الاقتصادي مع الجانب الأمريكي الذي كان دوماً شريكاً موثوقاً به انطلاقاً من خبرة وتفوق الشركات الأمريكية في عالم الاقتصاد والأعمال التجارية، نرى استثمارات ضخمة في مجال الترفيه الذي تم إنشاء هيئة عامة له أؤكل إليها مهمة إياد وتشيد البنية التحتية لصناعة الترفيه في المملكة، وهي صناعة لم تلق اهتماماُ بها جعل الكثير من السعوديين يتجهون لخارج بلادهم بحثاً عن الترفيه، وهو الأمر الذي جاءت رؤية 2030 لوضع حداً له وواقعاً جديداً للترفيه في المملكة وجعله في متناول الجميع داخل وطنهم وبأسعار تنافسية. الصناعة العسكرية هي الأخرى أحد المشاريع الطموحة التي هي نتاج دؤوب لجهود سمو الأمير محمد بن سلمان وذلك من خلال التعاون المثمر بخصوصها مع الولايات المتحدة، وكانت أولى ثمرات هذه التعاون هو تأسيس شركة الصناعات العسكرية السعودية في العام المنصرم، وبدأت الشركة في ابتعاث الطلبة السعوديين للولايات المتحدة لتكوين البني العقلية الوطنية لهذه الصناعة الواعدة التي ستوفر مئات الآلاف من الوظائف للمواطنين ويؤمل منها التقليل من حجم فاتورة شراء الأسلحة من دول العالم وهو الأمر الذي يتوقع منه بأنه سوف يوفر مليارات الريالات لخزينة الدولة للصرف منها على صناعة الأسلحة السعودية المحلية وبأيدٍ سعودية. مشروع نيوم الضخم الذي يعُد المشروع الأكثر طموحاً لتحقيق رؤية 2030 ويتوقع بأن تكون للخبرة الأمريكية دور مهم ومحوري لإنجاز هذا المشروع الحلم، وهو مشروع ممتد عابر لحدود المملكة ليشمل كل من دولتين شقيقتين وعزيزتين على المملكة قيادة وشعباً وهما المملكة الأردنية الهاشمية وجمهورية مصر العربية. وسيركز مشروع نيوم على تسعة قطاعات استثمارية كبرى، وهي مستقبل الطاقة والمياه، مستقبل التنقل، مستقبل التقنيات الحيوية، مستقبل الغذاء، مستقبل التقنية والرقمية، مستقبل التصنيع المتطور، مستقبل الإعلام والإنتاج الإعلامي، مستقبل الترفيه ومستقبل المعيشة.
الزيارة المرتقبة لسمو ولي العهد للقارة الأوروبية تكمن أهميتها بأن أوروبا لديها الكثير والكثير من الخبرات التي ستكون عاملاً مهماً ومطلوباً لتحقيق رؤية المملكة 2030، ومما سوف يُسهل هذه المهمة للتعاون هو أن الشركات الأوروبية لها علاقات متجذرة وعلى مدار عقود من الزمن في المملكة، سواء مع القطاع الحكومي أو القطاع الخاص، وتأتي زيارة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للدول الأوروبية لنقل العلاقة بين هذه الدول والمملكة من مستوى العلاقات التجارية التقليدية إلى علاقة شراكة قوية يسهم فيها الأوروبيون وبجدية في نقل التكنولوجيا إلى المملكة وفي كافة المجالات.
أخيراً، ستحاول ما تطلق على نفسها منظمات حقوق الإنسان والمُسيسة حتى النخاع التأثير على فعاليات زيارة سمو الأمير محمد بن سلمان لأوروبا وخصوصاً في بريطانيا بالتظاهر ضد ما تسميه بمآسي الحرب في اليمن، ولو أن هذه المنظمات التي تدعي الحيادية استمعت لما نطق به إسماعيل ولد الشيخ أحمد المسؤول الأممي الخاص باليمن الذي استقال من منصبه وقدم إحاطته الأخيرة عن الوضع في اليمن أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي، لوفرت على نفسها أكاذيب التظاهر والتباكي على الوضع في اليمن الذي أكد المسؤول الأممي المستقيل وبوضوح بأن عصابة الحوثي هي الجهة التي تقف حجر عثرة للوصول لحل للصراع في اليمن لتجنيب المدنيين ويلات الحرب، التي سعت فيها المملكة وبكل صدق ومحبة لتجنبها وتقليل آثارها على المدنيين اليمنيين وبجهود إغاثة جبارة لا نجد لها شبيهاً في أي صراع عسكري في عصرنا الحديث. كل المؤشرات تؤكد بأن زيارة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لأوروبا ستكون ناجحة بكل المقاييس ولتنتقل بالرؤية إلى أحد أهم ركائز تحقيقها بالتعاون مع الخبرة الأوروبية بعد أن ضمن سمو الأمير التعاون لتحقيقها مع الجانب الروسي، والجانب الآسيوي المتمثل في اليابان والصين والجانب الأمريكي.