فوزية الجار الله
في ثقافتنا التقليدية العامة، وفي تراثنا الشعبي على وجه الخصوص، ثمة صفة ملازمة للمرأة، هي الضعف. والعكس لدى الرجل؛ هو الأقوى والأقدر على المبادرة والقيادة، لكن ذلك يناقض الحقيقة.. وُجدت المرأة القوية منذ خُلقت حواء على وجه الأرض. ثمة نماذج كثيرة، وردت خلال التاريخ البشري، لكن الذي يحدث أن التركيز والاهتمام ينصب على الرجل بدرجة أكبر.
على سبيل المثال، تعجبني المرأة القوية الواثقة التي تقف بهامة مرفوعة أمام الجموع أيًّا كانوا مصرحة بعمرها الحقيقي بلا خوف أو تردد؛ فلا أحد سيطالبها بثمن مادي أو معنوي من جراء هذا الاعتراف، ولا أحد سيطالبها باعتذار ما؛ فهي لم تخطئ، ولا تخشى أن يُشعرها أحد بالذنب فقط لأنها بلغت ذلك الحد من العمر وهي في أوج قوتها وعطائها. ليس ذلك فقط ما شدني إلى تلك السيدة الشجاعة البروفيسورة الأستاذة بيللا دي باولو، لكن هناك ما هو أعمق وأبعد.. البروفيسورة بيللا دي باولو هي أستاذة في علم النفس، تحمل شهادة الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا، وهي في الوقت ذاته كاتبة ومدونة. اطلعتُ على محاضرة لها على موقع «تيد» العالمي. تقول بيللا إنها درست باهتمام حياة العزوبية بشكل عام، والمرأة العزباء على وجه الخصوص، وإنها قد توصلت إلى نتائج مدهشة (فيما رأيتُ أنا). تبدأ بيللا محاضرتها قائلة: أنا في الثالثة والستين من عمري، وقد عشت عزباء طوال عمري. عندما كنتُ في العشرينيات والثلاثينيات كنتُ أعرف أنه من المفترض أن أتزوج، وأني أردت ذلك حقًّا. ما زلتُ أتذكر ذلك حتى الآن.
خلاصة المحاضرة: ثمة أمر نلاحظه جميعًا فيما يبدو أن الأفلام والروايات وأغاني الحب والأبحاث العلمية تخبرنا جميعًا بالحكاية نفسها: كل فرد يود أن يحصل على الشخص المناسب، وعندما يحدث الزواج سوف يكون أكثر سعادة، ولن تشعر بالوحدة مرة أخرى. وعلى كل حال، هناك الكثير ممن عاشوا بسعادة عزابًا باختيارهم قبل الزواج، وكانوا أكثر سعادة.
لكن من خلال الدراسات والأبحاث ثبت علميًّا أن الكثير من الناس لم يصبحوا أكثر صحة أو سعادة من ذلك حين كانوا عزابًا..
هذه الحكايات جعلتنا لا نعير اهتمامًا للأفراد العزاب. هذه الحكايات التي لم نعلمها تجعلنا نفهم لماذا اختار الكثير من الناس حياة العزوبية، ونجحوا في ذلك؛ إذ وجدوا الإنجاز والعلاقات الإنسانية الجيدة والعزلة المريحة. هكذا ترى بيللا مع ملاحظة أن لكل مجتمع خصوصيته، لكن في الوقت ذاته لكل فرد اختياره.